نخطئ دائماً حين نخلط ما بين رجال الأعمال ورجال الأموال، وقد لاحظت منذ فترة بعيدة ترسخ هذا الخلط. ويبدو أننا نحتاج فعلا إلى عملٍ فكري كبير لضبط المصطلحات والمفاهيم حتى لا تختلط الأمور علينا. فليس كل من ملك أموالا مهما كثرت هو رجل أعمال، ولكن وبسبب الفوضى الفكرية درجنا على إطلاق صفة رجل الأعمال على كل من امتلك أموالا. وحتى تكون الصورة أكثر وضوحاً دعونا نتفق على أن بعض الذين يملكون أموالا حصلوا عليها بطرق مختلفة، وبعضها إن لم يكن أكثرها، إما وراثة، وإما بطرق غير مشروعة، وبعضها الثالث قد يكون ناجماً عن ظروف اقتصادية استثنائية. وحتى تكون الصورة أكثر وضوحاً، فإن الأموال التي نتجت عن ظروف استثنائية نعني بها، كمثال، ظروف الوفرة التي أتاحها الله لهذه البلاد، ولغيرها من دول الخليج النفطية في السبعينيات بعد حرب رمضان، حيث قفزت أسعار النفط إلى درجات قياسية. نعم، لقد قفز ذلك الظرف باقتصاديات تلك الدول والسعودية على رأسها إلى درجات عالية، مما نتج عنه ارتفاع كبير في مستوى الدخل الوطني، وفي مستوى الدخل الفردي، وقيام المشاريع العملاقة التنموية. واستشعاراً من الحكومة بضرورة توظيف هذه النعمة في توسعة الحرمين الشريفين، حظي العديد من الناس بتعويضات مالية مقابل تنفيذ هذه التوسعة المطلوبة، ونشطت بالتالي حركة السوق العقارية، ورافق ذلك كما هو متوقع نشاط مقابل في عمل البنوك والمصارف بسبب الحمى التي أصابت التبادل النقدي وجعلته أكثر حركة ونشاطاً. نعم، لقد عمت النعمة الجميع، إذ عم الخير، ومن جانبها عملت الحكومة على أن يعم هذا الخير جميع مواطنيها من خلال مصارف وصناديق دعم المحتاجين وفي كل المجالات. هذه الحركة الاقتصادية الشاملة أفرزت نوعين من الذين يعملون في المجالات الاقتصادية والمالية. هناك فئة تعاملت مع هذا الظرف باعتباره ثابتا وواقعا مستمرا ودائما لن يزول. وفئة عملت على توظيف معطيات هذا الظرف واستثمار هذه المعطيات وإدارة مردودها بالشكل الأمثل لتصبح واقعاً مستقبلياً قابلا للنمو والتطور والارتقاء. الفئة الأولى تنتمي إلى طبقة أو فئة رجال الأموال. أما الثانية فهي فئة أو طبقة رجال الأعمال. ولكن دعنا لا ننسى أننا من قبل أضفنا إلى فئة رجال الأموال أولئك الذين تكدست بين أيديهم الأموال عن طريقين آخرين وهما: الوراثة، والطرق غير المشروعة. وهذه الأخيرة يدخل فيها الرشوة واستغلال السلطة والفساد وما إلى ذلك من الوسائل غير الشرعية. حسناً.. نأتي الآن إلى السؤال: وما الفارق بين هاتين الفئتين أو الطبقتين، طالما هما معاً تملكان الأموال، وتعملان تحت نفس المظلة، أي أنهما يملكان شركات ومؤسسات؟. والإجابة هي: أنك تستطيع التفرقة بينهما من عدة زوايا، أحاول جاهداً أن أختصرها لك في النقاط التالية: أولا: رجل الأعمال يمؤسس إمكانياته وقدراته الذاتية سواء كانت أموالا أو علاقات في سبيل المؤسسة، وبالتالي فإنه يخضع نفسه أولا للنظم المؤسسية. بينما رجل الأموال يوظف كل ذلك في سبيل نفسه ورغباته الشخصية. وبالتالي فإنه وإن كان يدير أو يرأس مؤسسة فإنه يديرها وفق أهوائه ورغباته الشخصية. وباختصار فإن المؤسسة في هذه الحالة تفتقر إلى النظم والقوانين، لأن رغباته وأهواءه تصبح هي المعيار القيمي في العمل. ثانياً: من ناحية السلوك الشخصي طالما تحدثنا أولا عن السلوك العملي فإن سلوك رجل الأعمال أكثر انضباطاً لأنه أولا يعمل وفق خطط عمل علمية وعملية واضحة، يلزم نفسه بها قبل الآخرين ممن يعملون تحت إدارته. ولأنه ثانياً أعمل جهده الخاص في سبيل تحقيق نتائج المؤسسة والأموال، لأنها تعمل في إطار مشروع مؤسسي. وبالمقارنة بين النمطين السلوكيين للفئتين فإننا نلاحظ إجمالا بأن فئة رجال الأموال يحكمون ذواتهم الضيقة في كل الأمور. خذ مثلا لذلك، الواحد منهم حين يختار له مستشاراً من ذوي التخصص في مجال ما، فإنه يريد منه ببغاء يردد على أذنيه ما يقوله هو. ثم هو يتعامل معه كما لو كان عاملا في بقالة يملكها، لأن عقليته «بقالية» بهذا المفهوم، بالطبع مع احترامنا لأصحاب البقالات. ثالثاً: ولأن أصحاب الأموال يجعلون من أنفسهم مقياساً ومعياراً لما يجب أن يتمأسس، فإنهم يتجهون إلى تحويل كل ما هو عام إلى خاص. لذا تجد الواحد منهم يقوم بعملية شخصنة لما هو مؤسسي. خذ مثلا تجد أن أحدهم يصرف مبالغ طائلة في سبيل أن يتزين ابنه بشهادة أكاديمية دون أن يبذل الابن في سبيل نيلها ما تستحقه، مما يجعل حملتها الحقيقيين من العلماء يخجلون من حملهم هذه الدرجة العلمية. ويتبوأ الابن أعلى الدرجات الإدارية في الهرم الإداري في المؤسسة، قبل أن يتم تأهيله بأبسط ما يتطلب من علم وخبرة لقيامه بقيادة دفة سفينة المؤسسة. رغم أننا نعلم أن مالك المؤسسة ليس بالضرورة هو مديرها، لأن الإدارة المعاصرة تفصل بين الملكية والإدارة لأن الادارة علم وفن قائم بذاته. نعم لا أدري من أين هذا الفهم الخاطئ بأن مالك المؤسسة يجب أن يكون هو مديرها، ولكنني أعتقد جازماً بأن هذا الفهم الخاطئ قد أتى من هذا الخلط بين رجال الأعمال ورجال الأموال؛ لأن رجال الأعمال فيما أعتقد يعرفون يقيناً بأنهم يجب أن يعطوا كل صاحب حقٍ حقه، وأن يستثمروا علم ذوي الخبرة الإدارية ويعطوهم الفرصة لإدارة المؤسسات الكبرى، وإلا تحولت إلى بقالات. أخيراً، هل تعرفون ما الذي حل بأصحاب الأموال لأنهم لم يتبنوا الطريق الحق؟. ثمة نماذج لا أجدني في حاجة إلى ذكر أسمائهم، وما آلوا إليه من مصائر محزنة ومخزية.. اللهم لا شماتة، ولكن ما طار طائر وارتفع وإلا كما طار وقع. إنها زوبعة الوفرة. *أكاديمي وكاتب سعودي www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة