في ينبع النخل يلفت انتباه المارة رجل مسن ينتظر زبائنه منذ فجر كل يوم جديد بكل حيوية ونشاط عند مدخل محل صغير مبني من الحجر والطين، يعرض مصنوعات يدوية بعضها يعرفه الزبائن الشباب والبعض الآخر لا يعرفه سوى كبار السن، إنه العم محمد الرفاعي البالغ من العمر 100 عام قضى منها 90 عاما في التجارة. ورغم تغير متطلبات الزمن إلا أنه ما زال يتمسك بتجارته ومحله الصغير الذي يفوح منه عبق الماضي بما يحويه من مصنوعات يدوية كان يستخدمها أبناء البادية في الماضي، وسلع أخرى لا يعرفها الكثير من أبناء الجيل الحالي، ومع ذلك فإن محل الرفاعي لا يزال يستهوي المتسوقين من كبار السن الذين يجدون ما افتقدوه في متجره الصغير الذي يعيدهم إلى الماضي الجميل ليقفوا على أطلاله ويحدوهم الشوق للماضي الذي لن يعود. المتسوقون يفدون إلى متجر الرفاعي مع أنه لا يواكب متطلبات العصر، ومحتوياته لا تناسب احتياجات هذا الزمن الذي استغنى عن كثير من الصناعات البدائية التي كان يستخدمها الناس في الماضي، إلا أن الحنين إلى القديم يجذب كبار السن الذين ما زالت ذاكرتهم تحمل الذكريات لهذا المحل الصغير وهو الوحيد المتبقي من السوق التي كانت موجودة في هذه المنطقة. الرفاعي يقول إنه بدأ التجارة منذ طفولته مع والده في هذا المحل الذي ورثه عن جده، أي أن هذا المحل يعود إلى قرابة 200 عام. ويرى أن موقع المحل جعله يعمر كل هذه المدة حيث يقع في أكبر أسواق الحجاز في السابق. ومدينة ينبع النخل التي عرفت قديما (بالسويق) اكتسبت هذا الأسم بسبب السوق التي كان يرتادها المتسوقون من شتى مناطق المملكة للتسوق، حيث يأتي الكثير على الإبل للحصول على احتياجاتهم التي تكفيهم لعام كامل. ويصف الرفاعي حال السوق في السابق عندما تكون مكتظة بالمتسوقين بأنها كانت مثل خلية النحل، حيث لا يكاد الإنسان يسمع من يتحدث إليه وهو بالقرب منه، نظرا للحركة الدؤوبة التي كانت تشهدها هذه السوق في الماضي، ولكن لم يتبق منها اليوم سوى أطلال بقيت شاهدة على أحد أهم أسواق المنطقة. ويستطرد الرفاعي قائلا: كانت هذه السوق تلبي احتياجات المتسوقين من القهوة العربية، الأرز، المعدات الزراعية، وغيرها من السلع والاحتياجات اليومية للمتسوقين التي كنا نجلبها من البحر (جدة). وعن المتسوقين الشباب اليوم يقول: إنهم لا يرتادون متجره، لأنهم لايعرفون ما يحتويه من معروضات، لكن ما زال كبار السن هم الذين يتعاملون معي.