زين السعودية تطلق برنامج ZGI لتمكين رواد الأعمال والشركات الناشئة    الأمين العام لهيئة كبار العلماء يشارك في حملة "اقتداء وعطاء"    مدير الأمن العام يشهد حفل تخريج الدورة التأهيلية لأعمال قطاع الأمن العام للضباط الخريجين    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير شرطة المنطقة ويطلع على التقرير الإحصائي السنوي    أمير القصيم يستقبل سفير كندا لدى المملكة    منسوبو الشؤون الإسلامية في جازان يزورون معرض مكافحة المخدرات    مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يكرم الفائزين بجائزة التواصل الحضاري في دورتها الخامسة    تحت شعار "صمم ما لا يُرى" إثراء يعلن عن موعد "تنوين" بنسخته الثامنة    عشرات الجهات والخبراء يناقشون مستقبل المزارع الوقفية بالمدينة    واحات جدة فرصة استثمارية كبرى جديدة تطرحها أدير العقارية في مزاد علني 17 سبتمبر القادم    القيادة تهنئ رئيس جمهورية البرازيل الاتحادية بذكرى استقلال بلاده    السعودية تستضيف الاجتماع التنسيقي الأول للهيئات البحرية على هامش SIMC25    كانسيلو: الدوري السعودي قوي..وسعيد في المملكة    الكشف عن علاج جديد لمرض التشحم الكبدي .. وعرض أجهزة لمرضى السكري    وفد سعودي يزور سوريا لتدشين برامج ومشاريع إغاثية وإنسانية    لماذا أصبح انهيار السياق أكثر حضورًا مع توسع استخدام البيئة الرقمية كمجال عام؟    إقامة صلاة الخسوف في مساجد المملكة تزامنًا مع خسوف القمر الكلي مساء الأحد    مايكروسوفت: انقطاعات في كابلات بالبحر الأحمر قد تؤثر في خدمة (أزور)    أمطار رعدية غزيرة على مناطق بالمملكة والأرصاد تحذر من جريان السيول    الأمير سعود بن نهار يتوّج الملاّك الفائزين بكؤوس فئة "اللقايا" ضمن مهرجان ولي العهد للهجن    اشتعال حرائق غابات جديدة في البرتغال وإسبانيا    300 ألف وفاة سنوياً باللوكيميا.. وحملات سبتمبر ترفع الوعي العالمي    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تدشن نظام "بلاك بورد ألترا"    جولف السعودية يدعم بطولة أرامكو هيوستن في سلسلة PIF العالمية    الأهلي يدعم وسطه بالفرنسي أتانجانا    بناء على مقترح قدمته السعودية.. الأمم المتحدة تقر استئناف مؤتمر حل الدولتين    معدلات قياسية تجاوزت المستهدف.. السعودية..1.4 تريليون ريال استثمارات محلية وأجنبية    6 حالات لا يحتسب فيها المشروع خبرة ل «المقاول»    باشامي وباواكد يزفان بندر لعش الزوجية    الشهري إلى الرابعة عشرة    1400 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ خلال أسبوع    القيادة تعزي رئيس البرتغال في ضحايا حادث انحراف قطار جبلي عن مساره    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 121 خريجًا من الدورة التأهيلية ال54 للضباط الجامعيين    تصاعد ضحايا المجاعة إلى 382 شخصاً.. الاحتلال يدمر أبراجاً سكنية في غزة    مبابي يعادل رقم هنري ويهدد صدارة جيرو    «المجهولة».. فيلم سعودي بمهرجان تورونتو الدولي    «الجوهر ولمنور» يحييان ليلة طربية بجدة    تقديراً لجهودها في مهرجان التراث والحرف.. محافظ بني حسن يكرم اللجنة الاستشارية    إيقاف سواريز 6 مباريات    17 منتخباً إلى المونديال.. والمغرب ثاني العرب بعد الأردن    بعد خطة للجيش لتنفيذ خارطة طريق أمريكية.. حزب الله يرفض نزع سلاحه    مراهقة تسافر عبر الزمن ذهنيا    رشقات غير مرئية تمهّد للبرق    مصر تتصدر عالميًا بالولادات القيصرية    3 دقائق تكشف ألزهايمر    السفر للفضاء يسرع شيخوخة الخلايا    بشراكة مع Veeam: «كلية البترجي الطبية» تُسرّع نموها العالمي بتحقيق استعادة للبيانات أسرع بنسبة 80 %    الانهيار الأرضي المميت غربي السودان.. «الناس فقدوا كل شيء»    "الإسلامية" تستعرض تطبيقاتها الرقمية في موسكو    مشروعات عصرية عملاقة بمكة المكرمة تتجاوز صلابة جبالها    خسوف القمر بين الرؤية الفلكية والتأصيل والتدبر    تهجير قسري جديد تحت غطاء المناطق الإنسانية في غزة    المزارع الوقفية حلقة نقاش لتعزيز التنمية المستدامة    المعتذرون والمغفرة    إلا إذا.. إلا إذا    حين تتحول المواساة إلى مأساة    القيادة تعزّي رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان    أربعون عاما في مسيرة ولي العهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيدي قم.. وقوفا بأطلال مداح
نشر في عكاظ يوم 30 - 12 - 2022

احتفظت في صدري بلقاء شخصي مع طلال مداح، دائما أقلّبه وأخفي تفاصيله الحميمة في خزنة مقفلة.
قصة صغيرة جدا، أرددها في سري حين يشتد بي الوجد، أعلقها إذا أغلقتْ الوحدةُ بابَها عليّ، أستعيدها تباعا ولا أمسّ تفاصيلها مثل تحفة نادرة، أطوف خاشعا بها.
دائما تقفز تلك «الراء» الرشيقة وتذوب على طرف لساني، وعندما يسرد الآخرون ذكرياتهم معه، أستعيد طعمها طازجا، وأتمعّن في وجوه محبيه، ينثرون فرحين روايات لا تفقد دهشتها، رغم تكرارها، يرممونها بالابتسامات والقهقهات العالية التي عادة ما تزخرف أي ذكرى طلالية. وبمجرد انتهاء الراوي مكرهًا، من حكايته للسامعين المنصتين بوَلهِ العشاق، حتى تعلو مسحةُ الأسى على وجوههم، مثل فراشة الفقد، يحاولون أن يهشّوها بحركةٍ تلقائية واهنة.
أدركتُ مبكرا، ضرورة اقتناء هذه «الراء» كأول نقش على الماء في متحف وطني للغناء.
أداري ابتسامة الرضا، وأعض على لحن يتفلّت، أضمره داخلي، وأحفظ سره، أخبئه كنزا، وأغلق عليه.
أذكر تعلقي بطلال، قبل طيش الشباب، وفي يوم من ثمانينيات القرن الماضي، ألمح لي «عادل» صديقي في المدرسة، بأنه لن يقدر على العودة إلى بيت أهله ما لم يحضر أغنية «سيّدي قم».
داريت دهشتي، فلم أسمع بهذه الأغنية من قبل، رغم حرصي الشديد على أغاني طلال. ما هذه الصيغة؟! كأنها حُلية مفقودة، اتفق الجميع على إخفائها، والإشارة لها إلا همسا، ألهذا تكثفت الأغنية كلها في عنوان حسي؟!.
قطعنا شارع الموسيقى الذي يفصل «النعاثل»* عن «الكوت»* مشيا بين البيوت حتى وصلنا دكاكين أشرطة الكاسيت، بجواري فتى مسلوب العقل، يدندن بلحن شجي، نقله عن لسان امرأة عجوز.
بحثنا بين الأغاني عنها:
«سيدي قم
ما خبرت اللي يحب
يشتهي النوم».
بعد عدة دكاكين متجاورة،
وجدناها صدفة، من جلسة خاصة، في نسخة شريط «كاسيت» مهرب، خارج شركات الإنتاج، باعنا إياها شاب، بعيدا عن عيون صاحب الدكان:
«سيدي قم
لا تنام و في السما
باقي نجوم،
يا جريح البارحة
كيف طبت اليوم.
سيدي يا سيدي قوم».
ألمحُ طلال وكأنه يغادرني للتو، يخرج من الباب ملتفتا عدة مرات، قاصدا المطار بعد أن أطال المكوث في بيتي، وتخلى عن موعد رحلته الأول، ها هو يوصي رفيقه مرارا، بإرسال هدية لم أميزها، ويشير إلي.
هكذا ودعت رنين ضحكته، ممتلئ القلب، حملتها معي ولم أكشف عنها لأحد،
أستعين بها حين يخنقني الدمع، مثل دعاء السر،
أو صدقة اليمين دون علم يساري، كي أنجو،
بل مثل بركة الجدة التي حلت على حفيدها، منذ مغيب ذلك اليوم الذي عاد فيه راكضا بلهفة نحو البيت، ليبشر بصيده لؤلؤة الأغاني.
أجزم أن طلال له سر مع كل من سمعه أو رآه، كما أعتقد أن هذا المطلع «سيدي قم» المكتفي بذاته، عالق في الذاكرة الغنائية مثلما «قفا نبك» أيقونة الملك الضليل، ومطلع معلقته في ذاكرة الشعر العربي، مع الفارق بين المطلعين في ندائهما الأبدي، بين شموخ طلال في خطاب النهوض والقيام، وبين انكسار امرئ القيس الباكي «من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ».**
«سيدي قم» جملة سحرية، ربما تعويذة لو قُرأت على السيد الذي هوى فوق مسرحه في أبها، لقام حيا أمام الناس.
يا لها من خاتمة مبجلة، شامخة بكل ما تعنيه «سيدي قم».
لهذا لن أتخلى عن قصتي معه، ولن أدونها، أيضا، فكلما أخفيتها كبرت قيمتها وازداد لمعانها، وأينما عبر صوته في الفضاء، تداعت راؤه بصدى حنون، تأخذني إلى حضرته، مطرق الرأس أمام ضريح اللغة، على خشبة المسرح، تلك الراء التي ستصبح مزارا،
لأردد عند رأسه: سيدي قم.
ثم أنصرف عن الوقوف بها، متفاديا قول الشاعر:
«يقولون: لا تهلكْ أسىً وتجمّلِ»**.
* النعاثل والكوت، من أحياء الهفوف بالأحساء.
** من معلقة الشاعر امرؤ القيس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.