تبدو حكاية مسلسل «الساحر» للمخرج محمد لطفي وعامر فهد، للوهلة الأولى، وكأنها خرجت من رحم إحدى قصائد ديوان «آثر الفراشة» للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، التي يقول فيها: «وقال المنجمون: هي فوضى الكون على باب القيامة. ومن حُسن حظنا أو من سوئه، أن المؤرخين الأجانب الخبراء في مصائرنا، وتاريخنا الشفهي لم يكونوا هنا، فلم نعرف ما حلَّ بنا»!. تلك القصيدة بدت وكأنها تشكل روح الحكاية التي صاغها سلام كسيري، وقدم لها حازم سليمان المعالجة الدرامية، التي اتكأت على متن القصيدة، وقدمت بلغة سلسلة، تقترب كثيراً من نبض الشارع، فالحكاية تبدأ عندما يطل «بصار» شهير في لقاء تلفزيوني، نيّته تحقيق ضربة ربح ناجعة للمحطة، ولكن الضيف يقلب الموازين، فيبدأ بسرد اعترافاته عن الكذب الذي مارسه طيلة فترة شهرته، حينها تقطع المحطة البثّ، فيستعين «البصار» بمواقع التواصل الاجتماعي، ليكمل رواية الحقيقة، قبل أن يتعرّض للاعتقال، ويخطف الزمن بضع سنوات إلى الوراء، لنبدأ نحن المشاهدين بملاحقة القصة من بدايتها، وهي طريقة تعود بعض مخرجو السينما سلوكها في سرد حكاياتهم. في لغته، يفضح النص ما يدور في كواليس المسؤولين الكبار، وأولئك المتحكمون بالقرارات، الذين لا يتركون أي فرصة لتجييرها لصالحهم، العمل يذهب إلى منطقة المنجمّون أو «البصّارون» الجدد الذين اقتحموا الشاشات العربية، وأصبحت الجموع تنتظرهم علّهم يتلمسون ملامح المستقبل المجهول، تلك هي «فرضية» المسلسل الذي يفتضح في منتصف أحداثه، إدارة الكبار لهذه اللعبة، وتطويع السطوع العارم الذي حظي به «مينا» (الممثل عابد فهد) بالصدفة بعد اجتماعه مع «كارمن» (الممثلة ستيفاني صليبا)، وفتح شهيته على فكرة تصنيع الحظ، لكنّ «صناديق الحظ» تلك كانت تُفبرك، حسب رغبة كارمن في تعرية خصومها، ثم كرّت سبحة المفارقات اللاهبة، وتشابك الأحداث البسيطة، لتحطّ أخيراً في مكتب سياسي كبير. في تلك الأثناء، سيشعر المشاهد بموضوع المسلسل، وأنه يشكل في مجمله إجابة شافية عن أسئلة محيّرة، مفاده «من يقف خلف هؤلاء البصّارون، ويزّودهم بمعطيات يشغلون بها الرأي العام؟ وكيف تؤلّف الأحداث ويمهّد طريقها، على هذا النحو، ومتى تصبح لغة البصّار «إبرة» مسكّن جمعي؟. تلك الأسئلة تأتي من ناحية البعد الدلالي للقصة التلفزيونية، أما على صعيد التناول وطريقة السرد، التي أصيبت ببعض الهنات نتيجة فقدان السيطرة على العمل الذي أصابته «جائحة كورونا» وأجبرته على إغلاق أبواب مواقع تصويره مبكره، الأمر الذي صعد الرهان على نوعية الفكرة، وسوية الأداء لأبطاله. وقوف العمل في منتصف الطريق، ومحاولة إغلاق الباب أمام عملية سرد الحكاية، بسبب جائحة كورونا، أفقدها ضربة الجمال التشويقية، ستستكمل لاحقاً في موسم ثان، قد يطل في رمضان القادم، أو ما قبله، ولكن رغم ذلك يبقى العمل بمثابة محاولة مترفة بالجدية، يمكن استثمارها في موسم آخر، يكون قادراً على تجاوز «أخطاء» الأول، ويكون قابلاً لإعادة الترميم.