طبعًا... لكن الجميل في الأمر أن أغلب الناس ما زالوا يصرّون أنهم مُحصَّنون، وأن لديهم وعيًا صلبًا، بينما عبارة عابرة بلا وجه تمتلك قدرة مدهشة على تعكير يوم كامل. فنحن جيلٌ يتفاخر بأنه لا يُخدع، بينما إشاعة تافهة تغيّر مزاجه، وصورة مجهولة توقظ فيه (...)
ثمة حياة موازية لا نراها بالعين، لكنها في كل ركن من حياتنا تنظر لنا في صمت... حياة تسكن في الكتب التي لم نقرأها بعد، وفي الأحلام التي وضعناها على الرف بحجة أن الوقت ليس وقتها، وفي الرسائل التي كتبناها يومًا ثم تركناها حبيسة الأدراج، بلا مُرسل ولا (...)
كم من إنسانٍ حمل فوق كتفيه أحكامًا لم يستحقها، وكم من روحٍ وُضعت في قوالب ضيّقة لأنها لم تُقرأ بصدق. إن الحكم السطحي على الناس ليس مجرد خطأ عابر، بل ظلمٌ يسرق منهم حقّهم في أن يُفهموا كما هم، لا كما يُتخيَّلون.
فالإنسان أعقد بكثير من صورةٍ عابرة أو (...)
في كل عصرٍ نهض شعراء كبار أمثال، امرؤ القيس، زهير، النابغة، طرفة، عنترة، أبو تمام، البحتري، بشار، المعرّي،
أسماء تتقدم كالأعمدة التي تُمسك سقف اللغة. ومع ذلك يبقى المتنبي كأنه العمود الذي لا يستند إلى شيء، العمود الذي يسند نفسه بنفسه، كأنه جبلٌ وُضع (...)
أخطر ما قد يجرّ الإنسان إلى التعب هو أن يقيس نفسه بميزان غيره أو أن يربط قيمته بما وصل إليه الآخرون، أو بما يملك غيره من حظوظ وأرزاق. في حين أن المقياس الحقيقي، والأصدق، والأعدل، هو أن يقارن نفسه بنفسه، بما كان عليه أمس، وما أصبح عليه اليوم.
فحين (...)
في زمنٍ كانت الفكرةُ تُولَد فيه من رحم التأمّل، وتُربّى على مهلٍ في حجر الوعي، كانت الكلمةُ تُوزَن بميزان الذهب، ويُحفَظ لها مقامُها بين المعاني.
أمّا اليوم، فقد صار العقلُ كمدينةٍ مزدحمةٍ لا تعرف السكون، فالأفكار تتزاحم في أزقّتها كما تتزاحم (...)
الإنسان ليس كائنًا بقدر ما هو مشروع تجريبي طويل، نسخة تختبر ذاتها كل يوم في معمل الزمن، يتغير كما تتغير الشاشات، يُحدث مزاجه، ويُعيد تشغيل مشاعره كل صباح، يحمل داخله نظام تشغيل مزدوج.. منطقًا يزن الأشياء بدقة، ووجدانًا يبعثر الموازين بلا إذن من (...)