ثمة حياة موازية لا نراها بالعين، لكنها في كل ركن من حياتنا تنظر لنا في صمت... حياة تسكن في الكتب التي لم نقرأها بعد، وفي الأحلام التي وضعناها على الرف بحجة أن الوقت ليس وقتها، وفي الرسائل التي كتبناها يومًا ثم تركناها حبيسة الأدراج، بلا مُرسل ولا مستقبل. تلك الأشياء المؤجلة ليست خاملة كما نظن، بل هي أكثر حضورًا مما نتوقع. فالكتاب غير المقروء، يجلس على الرف صبورًا يراقبنا كلما مررنا بجانبه. ويذكرنا أن المعرفة ما زالت تنتظرنا، وأن ما أجلناه لم يختف بل بقي هناك يُحدثنا بصمته. والحلم المؤجل أيضًا يعيش داخلنا، لا يموت بمجرد أن نضعه على الهامش. فهو يطلّ علينا بين الحين والآخر، ليُعيد إلينا السؤال الذي نحاول الهروب منه ويظل يكرر علينا لماذا لم نبدأ؟ وحتى الرسائل التي لم تُرسل، لها حياة غريبة تخصها. فهي تظل معلّقة في الفراغ، وكأنها صوت محبوس لم يجد طريقه للخروج. لكنها رغم ذلك تغيّرنا من الداخل. فمجرد كتابتها كان تحوّلًا، وإبقاؤها في مكانها جعلها شاهدًا على لحظة صدق لم تكتمل. فالأشياء المؤجلة إذن ليست نسيانًا، بل ذاكرة أخرى نعيشها من بعيد... وهي الأبواب التي لم نفتحها بعد، لكنها تمنحنا شعورًا دائمًا بأن المستقبل لا يزال يحمل احتمالًا مختلفًا. ربما نتجاهلها أحيانًا، وربما نتظاهر بأنها لا تعنينا، لكنها تبقى كامنة، تنتظر لحظة القرار. والمفارقة أن هذه الأشياء تمنح حياتنا ثِقَلًا خفيًا. فلو لم يكن هناك أحلام مؤجلة، لما بقي فينا أمل في أن القادم قد يفتح نافذة أخرى. ولو لم تكن هناك كتب غير مقروءة، لما أحسسنا أن المعرفة بلا نهاية. ولو لم تكن هناك رسائل غير مُرسلة، لما عرفنا أن الصمت قد يكون أبلغ من الكلام أحيانًا. إنها حياة الأشياء المؤجلة... حياة موازية لحياتنا اليومية، تذكرنا دائمًا أن الإنسان لا يختصر فيما أنجز فقط، بل فيما ينتظر أن ينجز أيضًا.