"أكواليا" تستعرض جهودها في إدارة موارد المياه لتحقيق الأمن المائي والاستدامة    الديب: إيرادات الميزانية السعودية تعكس قوة الاقتصاد وكفاءة الإنفاق    جثمان الأمير بدر بن عبدالمحسن يوارى الثرى    أمير منطقة الرياض يؤدي الصلاة على الأمير بدر بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز    قربان: قطاع الحياة الفطرية يوفر فرصًا استثمارية ضخمة في السياحة البيئية    13 مليون عامل و1.2 مليون منشأة بالمملكة    اصطدام سيارة بإحدى بوابات البيت الأبيض ومقتل سائقها    محافظ الطائف يرأس أجتماع المجلس المحلي    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار على منطقة الرياض    المملكة تستضيف اجتماعيّ المجلس التنفيذي والمؤتمر العام ل"الألكسو"    كلوب: مدرب ليفربول المقبل لن يواجه صعوبات    منتدى المشاريع العالمي في يونيو المقبل بالرياض    التجارة غير النفطية تواصل النمو في أبريل    فرص واعدة لصُناع الأفلام في المملكة    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام هيئة التراث بالمنطقة    ميسي يسجل ثلاثة أرقام قياسية جديدة في الدوري الأمريكي    هل وصلت حرب غزة إلى طريق مسدود؟    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تطلق جولتها القرائية الخامسة    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة في عنيزة    كاسترو يكشف موقف تاليسكا وغريب من مواجهة الهلال    20 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح    ( مسيرة أرفى ) تعلن عن إنطلاق فعاليات شهر التصلب المتعدد    "باحث": لا يوجد أدلة على أن الاستمطار يحدث هطول أمطار شديد    الأمم المتحدة تكشف: آلاف السودانيين يفرون يوميا من جحيم الحرب    "تعليم تبوك" و"أرامكو" يطلقان حملة توعوية للوقاية من الحرائق    المملكة تعين وتروي المحتاجين حول العالم    "ميدياثون الحج والعمرة" يختتم أعماله    تنمية جازان تفعل برنامجًا ترفيهيًا في جزر فرسان    رونالدو: لا أركض وراء الأرقام القياسية    توقعات بهطول أمطار رعدية خفيفة على معظم مناطق المملكة    اللحوم والبقوليات تسبب "النقرس"    السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها    القبيلة.. وتعدد الهويات الوطنية    مسؤولون وفنانون وشعراء ينعون الراحل    البدر «أنسن العاطفة» و«حلّق بالوطن» وحدّث الأغنية    آه يا رمل وهبايب.. تدفن جروح الحبايب.. ورحت يا بدر التمام    تعديلات واستثناءات في لائحة ضريبة التصرفات العقارية    بأمر خادم الحرمين.. تعيين 261 عضواً بمرتبة مُلازم تحقيق في النيابة العامة    «المظالم» يخفض مدد التقاضي و«التنفيذ» تتوعد المماطلين    السعودية.. دور حيوي وتفكير إستراتيجي    عضوية فلسطين بالأمم المتحدة.. طريق الاستقلال !    معالي الفاسد !    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    الذهب يتأرجح مع تزايد المخاوف بشأن أسعار الفائدة    تقدير الجهود السعودية لاستقرار السوق العالمية.. المملكة تعزز تعاونها مع أوزبكستان وأذربيجان في الطاقة    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    موسكو: «الأطلسي» يستعد لصراع محتمل    الهلال يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة الأهلي    منح تصاريح دخول العاصمة المقدسة    الطائي يتعادل مع الخليج سلبياً في دوري روشن    بتنظيم وزارة الرياضة .. "الأحد" إقامة المؤتمر الدوري للقطاع الرياضي    يجنبهم التعرض ل «التنمر».. مختصون: التدخل المبكر ينقذ «قصار القامة»    النملة والهدهد    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنطقة على موعد مع حرب عمياء سياسياً
نشر في أنباؤكم يوم 07 - 09 - 2014


الحياة - دولي
هناك إجماع شعبي، أو على الأقل ما يشبه الإجماع، على محاربة الإرهاب في كل بلدان العالم، وأولها البلدان العربية. وعلى رغم ذلك، فإن هذه الحرب لم تؤدّ إلى النتيجة المنتظرة. على العكس، الإرهاب في تزايد، وعدد الميليشيات في تصاعد، والملتحقون بهذه الميليشيات وذلك الإرهاب في تزايد أيضاً. الإحصاءات الأوروبية والأميركية والعربية عن الإرهاب بأنواعه تؤكد هذه النتيجة. بدأت الحرب على هذا الإرهاب عام 2001، وذلك بعد هجمات11 أيلول (سبتمبر). كم كان عدد التنظيمات والميليشيات الإرهابية آنذاك؟ لم يكن مشهوراً منها آنذاك إلا تنظيم «القاعدة».
الآن، وبعد 13 عاماً على بداية الحرب على الإرهاب لم يعد من الممكن إحصاء عدد التنظيمات والميليشيات الإرهابية، السني والشيعي منها. المشهد في العراق وسورية ولبنان واليمن يؤكد ذلك. بات «القاعدة» الذي تسيّد المشهد حتى أواخر القرن الماضي مجرد فصيل يتنافس مع فصائل كثيرة في ساحة صراع، لم يعد من المستحيل إمكان توسعها مع الوقت، ومع تعقد الصراعات وتعثر السياسات الإقليمية والدولية، أصبحت هذه التنظيمات بميليشياتها وتطلعاتها عابرة للدول، لا تعترف بالحدود السياسية. ربما أن «داعش» هو من ألغى هذه الحدود عملياً، وأعلن عما يسميه دولته الإسلامية في العراق وسورية معاً، لكن قبل «داعش» كان «حزب الله» اللبناني أعطى لنفسه عام 2012، وبقوة السلاح، حق عبور الحدود اللبنانية للقتال في سورية، دفاعاً عن النظام السوري. عندما فعل ما فعل لم يكن «داعش» مرتبطاً بدولة بعينها، لأنه غير معترف به من أي دولة. على العكس، هو في حال حرب مع كل الدول تقريباً. أما «حزب الله»، فهو مسجل رسمياً كحزب من أحزاب الدولة اللبنانية، لكنه يتصرف بمعزل عن قوانين هذه الدولة ومصالحها. يتصرف كدولة بذاته، مرتهن في مواقفه ونشاطاته وسياساته لدولة أخرى هي إيران. مرجعية الحزب ليست في بيروت، أو في ساحة النجمة، أو السرايا وقصر بعبدا. مرجعيته السياسية والأيديولوجية في طهران. وليس أمام سلطات الدولة اللبنانية، وبقوة إرهاب السلاح أيضاً، إلا الخضوع لذلك، والتظاهر بأنه إما لم يحدث، أو أن حدوثه مبرر بحكم الظروف السائدة.
يكشف مثال «داعش» و «حزب الله» أن للإرهاب الذي يضرب المنطقة ويهدد مفهوم الدولة والاستقرار فيها، وجهين متكاملين: إرهاب متفلت من أية قيود سياسية رسمية، لأنه لا يتمتع بغطاء سياسي رسمي على المستويين الإقليمي والدولي، وهذا هو الإرهاب السنّي، كما يتمثل في «جبهة النصرة» و «داعش» و «القاعدة في جزيرة العرب»، على سبيل المثال وحسب. هذا الإرهاب يضع نفسه في مواجهة جميع الدول تقريباً.
على الجانب الآخر هناك الإرهاب الشيعي، الذي يحظى بتبنّ ورعاية إقليميين تحت قيادة إيران، فالأحزاب الشيعية في حكومة العراق إما أن لها ميليشيات خاصة بها، مثل «جيش المهدي» التابع لرجل الدين مقتدى الصدر، و «فيلق بدر» الذي أسسه محمد باقر الحكيم في إيران أثناء حكم النظام العراقي السابق، أو أنها تدعم وتتبنى ميليشيات شيعية ليست تابعة لها رسمياً، مثل «عصائب أهل الحق»، و «كتائب أبو الفضل العباس». وتشارك هذه الميليشيات الجيش العراقي في حربه على «داعش».
في سورية لا تسمح طبيعة النظام بنشوء ميليشيات محلية على غرار ما حصل في العراق ولبنان، وهذا فضلاً عن أن الأغلبية السنية في المجتمع السوري جعلت هذا الخيار ينطوي على مخاطر لا يحتملها النظام، ولذلك اضطر بعد الثورة للاستعانة بالميليشيات التابعة لإيران مثل «حزب الله» اللبناني و «عصائب أهل الحق» وغيرهما، إلى جانب ميليشيا الشبيحة التي شكّلها من الطائفة العلوية، التي تنحدر منها العائلة الحاكمة في سورية.
في ظل هذا المشهد الذي يتقاطع فيه مفهوم الدولة مع الإرهاب، وتتداخل الطائفية مع مفهوم الحقوق الإنسانية والسياسية، صارت للتنظيمات المنتشرة هياكل إدارية ومالية وسياسية، وصار لها مقاتلون وحقوق وأجهزة علاقات عامة وفضائيات، وموازنات، وتحالفات ورعاية إقليمية، وربما دولية، وأتباع يتزايدون مع الوقت.
حتى الآن لا يبدو أن «الحرب على الإرهاب» التي يجري التخطيط لها، تأخذ في اعتبارها الواقع الطائفي والسياسي للإرهاب كما هو، وأنه المنبع الذي يغذي هذه الظاهرة، فأميركا لا تريد أن تتعثر مفاوضاتها النووية مع إيران، وتخشى من تفاقم الوضع السياسي للحكومة العراقية، ولذلك تتجنب طرح موضوع الميليشيات الشيعية، بل قبلت بتوفير غطاء جوي لمحاربة هذه الميليشيات «داعش» في العراق. إلى جانب ذلك، تخشى واشنطن من أن توسيع مفهوم الإرهاب سيضعها في الحال السورية أمام خيارين ترفضهما حتى الآن: إما دعم النظام السوري في حربه على هذا التنظيم، وهو نظام تقول إنه فقد شرعيته، وإما إعلان الحرب عليهما معاً. الدول العربية تتجنب بدورها توسيع مفهوم الحرب على الإرهاب، لأنها تخشى أن يفرض عليها هذا المنحى إصلاحات سياسية وفكرية تحاول تجنبها. أما إيران فلا يقل مأزقها صعوبة، فهي من ناحية تريد حصر الحرب على الميليشيات السنية، وإبقاء الميليشيات الشيعية التابعة لها خارج الاستهداف. لكنها تدرك الآن أن هذا الخيار هو الذي خلق حاضنة شعبية ل «داعش» وغيره في المجتمعات السنية داخل العراق وسورية وخارجهما، وبالتالي سمح ل «داعش» بإعلان «الدولة الإسلامية» على حدودها، وقطع خط إمدادات طهران للنظام السوري. هزيمة «داعش»، وهي أمر مرجح أمام تحالف إقليمي ودولي، لن تلغي هذه المعادلة، بل ستعززها.
على رغم كل ذلك، يبدو أن الحرب المزمع إعلانها ستكون على «داعش»، وليست على الإرهاب. ماذا عن «جبهة النصرة»، و «الجبهة الإسلامية»، و «حزب الله»، و «عصائب أهل الحق»... والقائمة تطول كثيراً؟ ستكون حرباً ناقصة ومتحيزة، وبالتالي حرباً مشوهة. وهنا ستكون الكارثة. قبل ذلك كانت الحرب على «القاعدة»، التي انتهت بإضعاف هذا التنظيم الدولي لكن لتحل محله مئات التنظيمات. ها هي أميركا التي حاربت «القاعدة» في باكستان وأفغانستان، تعود الآن مجبرة لتحارب «داعش» في العراق، ولم تقرر بعد كيف ستحاربه في سورية. والسؤال الذي يجب أن يقلق الدول العربية قبل غيرها، وأن ينطلق منه التخطيط هو: لماذا لا تزال الحرب على الإرهاب متعثرة على رغم ضرورتها، وعلى رغم مشروعيتها، وعلى رغم ضراوتها وتكاليفها الباهظة، وعمرها الزمني الطويل؟ بل لماذا يبدو من المرجح، وهذا هو الأسوأ، أن منحنى الإرهاب سيستمر في خطه التصاعدي، وإنْ هُزم «داعش»؟
مهما كانت الإجابة فإنها لا يمكن أن تتجاهل حقيقة أن الدولة في المنطقة، خصوصاً الدولة العربية، تواجه تحدياً خطراً لم تعرفه في تاريخها الحديث ولا قبل هذا التاريخ. وأن التحدي الأخطر في ذلك هو هذه التنظيمات والميليشيات العابرة للدول التي تجاهد بسلاحها وفكرها وقيمها وتحالفاتها، الشعبية والرسمية، كي تجعل من نفسها البديل لهذه الدولة. انطلاقاً من ذلك يمكن القول إن فشل الحرب على الإرهاب يعود لفشلها في عدم الربط العضوي بين الطائفية والإرهاب، وعجزها عن استهداف مفهوم التنظيم والميليشيا العابرة للدول بهويته السنية والشيعية. وفشلت هذه الحرب لأنها بقيت أسيرة لبعدها وهدفها الأمني. وليس غريباً والحال هذه إن بقي الخطاب الديني الذي يشرعن للإرهاب يحظى بشعبية واضحة، لأنه في نظر أتباعه ليس كذلك، وإنما هو خطاب ينافح عن وجود هذه الطائفة أو تلك، وعن حقوقها الدينية والسياسية.
بعبارة أخرى، فشلت الدولة في أن تقدم البديل السياسي والفكري والقانوني الذي يجعل الجميع يستغني عن هذا الخطاب، وعن التنظيمات التي يفرزها وتقوم على أساس منه. فشلت في أن تكون دولة للجميع، تحمي حقوقهم وهويتهم وأمنهم. ثم تعود الولايات المتحدة مرة أخرى لمحاربة الإرهاب من داخل هذا الإطار الفاشل.
لم يعد خافياً أن هذه الحرب تركز على توظيف بشاعة الإرهاب، وضلالاته الفكرية، وبشاعة ممارساته لتبرير واقع سياسي فقد صلاحيته. ماذا لو أن الإرهاب ليس إلا صيغة عنيفة للتعبير عن الاحتجاج على هذا الواقع؟ احتجاج على مجتمعات تتغير، وأجيال تتعاقب، ونظام دولي لا يستقر على حال، وأسواق تنمو من دون توقف، وأفكار تترى وتتراكم في الوعي واللاوعي، وتكنولوجيا تسابق الزمن، في مقابل جمود سياسي إسلامي عربي لا يعرف التغيير، ولا يعترف بأي تغيير. كيف يمكن تفسير أن عشرات، بل مئات الآلاف من الشباب العربي والمسلم، يأتون حتى من أوروبا وينخرطون في تنظيمات سنية وشيعية؟ يرمون بأنفسهم إلى التهلكة، ويضعون أرواحهم على أكفهم بالانضمام إلى هذه التنظيمات وهي متوحشة في رؤيتها، ودموية في سلوكياتها، بعضها يحلم بإقامة الخلافة، والبعض الآخر بإقامة ولاية الفقيه. أي حرب على الإرهاب لا تنطلق من هذه الاعتبارات ستكون حرباً فاشلة، ولن تضيف إلا مزيداً من المرارة والأحقاد، ومزيداً من الطائفية، والتطرف، ومن الميليشيات، والدمار، كما فعلت الحرب التي قبلها. بات من الواضح أن الدولة العربية التي قامت بعد الحرب العالمية الأولى تمر بحال تصدع وانهيار، ولا أحد يريد أن يواجه هذا الواقع كما هو. بدلاً من ذلك يتم الهرب إلى حرب مشوهة لن تقود إلا إلى استكمال هذا التصدع والانهيار، ومن دون ضوء يشير إلى بديل في نهاية النفق.
* كاتب وأكاديمي سعودي
[email protected] للكاتب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.