الشرق - السعودية تناقلت وسائل الإعلام خبر وفاة الفنان الكوميدي الأمريكي روبن وليامز الذي أمتعنا كثيراً ولم نحس بقلبه النازف حزناً، وعرفنا بعد انتحاره بأنه كان مدمناً متعاطياً للكحول والمخدرات. كما أنه كان نزيلاً سابقاً بإحدى المصحات النفسية بعد معاناة طويلة مع مرض الاكتئاب الحاد. كم من الشخصيات التي مرت علينا مثل روبن وليامز، لم نستشعر معاناتهم مع الاكتئاب حتى ضاعوا أو أنهوا حياتهم بصورة مفاجأة، حيث تشير التقديرات إلى انتحار أكثر من مليون إنسان بالعالم سنوياً بسبب الاكتئاب الحاد. تعد نسبة الاكتئاب في الشرق الأوسط (7%) ضمن الأعلى إصابة في العالم بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، حيث قدرت الحالات المصابة بالاكتئاب الحاد بأكثر من 350 مليون مصاب من مختلف الفئات العمرية. بينت مقاييس DALYs -Disability-Adjusted Life Years- بأن مصر هي الأعلى يليها السعودية، ثم سوريا والإمارات وأخيراً لبنان، أيضاً هناك تباين كبير بين عدد المشخصين بالاكتئاب وبين من قدم لهم العلاج فعلاً. فأكثر من 75% من المصابين بالاكتئاب المرضى في الدول النامية لم يقدم لهم العلاج بطريقة ملائمة. بدراسة في عام 2001 م، صنف الاكتئاب الرابع عالمياً كمسبب للعجز أو الموت المبكر، هذا ويتوقع أن يكون من الأسباب الأولى المؤدية للمرض بعام 2030م، ولكن مايزال التعامل مع مرض الاكتئاب أقل مما هو متوقع لتداركه، وهو أحد أسباب تلك الوصمة الاجتماعية للمريض النفسي، وضعف أو صعوبة الوصول للإمكانيات التشخيصية والعلاجية. (منظمة الصحة العالمية 2012م). تتجلى أهمية طرح مشكلة الاكتئاب الحاد اليومفي التغيرات التي تحيطنا، فعندما نسمع عن الشاب الغر الذي يلقي بنفسه ضمن الشبكات الإرهابية و ينهي حياته انتحاراً وهو في مقتبل العمر وعنفوان الحياة، فهل ذلك فقط للتأثير المضلل والمشوه باسم الدين الذي حول الانتحار إلى شهادة، أو أن هناك عوامل أخرى يمكن تداركها مثل الاكتئاب المرضي الذي لم يلاحظ من قبل الأسرة والمحيطين لينقذوهم قبل فوات الأوان. فقد يفسر ابتعاده عنهم وفشله في دراسته أو عمله بالملل والطفش، ويرون أن انزواءه وحزنه غير المبرر وردة فعله المبالغ فيها للمواقف البسيطة عصبية، كما قد يعتقدون أن عزلته الاجتماعية والابتعاد عن الرفقة الطيبة والتمتع بمباهج الحياة مزاجية. عندما تجتمع تلك الأعراض مع أعراض أخرى كنوبات الحزن والبكاء دون سبب، واليأس وانعدام الأمل، واضطرابات النوم، وصعوبات التركيز، وقد يزيد وزنه أو ينقص، مع إحساس دائم بالتعب والوهن وآلام جسدية لا تفسير لها، ويتعاظم بداخله عدم تقدير الذات، ويتطور إلى أفكار سوداوية مستمرة بالموت ثم إلى مبادرات انتحار، عندها تترابط الصورة لتدق ناقوس الخطر بأن هناك مشكلة كبيرة يعاني منها تستوجب الاستشارة الطبية. في يومنا هذا يتعامل المهتمون بالصحة مع الاكتئاب (Depression) كمرض مزمن يتطلب علاجاً طويل المدى مثل مرض السكري والضغط والربو وغيرها من الأمراض المزمنة. التي باكتشافها المبكر وتمكين علاجها فإنه من الممكن الحد من آثارها وتقليل مضاعفاتها ولو كان مرض الاكتئاب الحاد. وبذلك قد يجنب المصاب الممارسات السيئة التي قد تدمره ومن حوله مثل شرب الكحول أو تعاطي المخدرات، أو أن يغرر به استغلالاً لوضعه الصحي فينهي حياته بما يغضب الله. وهذا يتطلب وعياً عالياً بأهمية تناول مرض الاكتئاب كأولوية وتقديم العلاج مبكراً لتحجيم آثاره السلبية حماية للمريض ولأسرته ومجتمعه ووطنه.