الوطن- السعودية "نطالب ببحث فتوى إباحة الزواج بنية الطلاق وغيرها من فتاوى الزواج المضللة، وبحث ما يترتب عليها من نتائج ومشكلات انعكست سلبا على فهم الناس للدين" حضرت دورة المبتعثين قبل مغادرتي للدراسة في الخارج، وسمعت وقتها فتوى تبيح الزواج بنية الطلاق من المحاضر، لم أقتنع بها لعدة أسباب: أولها أنها مخصصة لمعالجة رغبة الرجل وأهملت جانب المرأة، وثانيا أن فيها إضرارا وغدرا بالمرأة التي قد تقبل بالزواج أملا في حياة زوجية مستقرة ومستمرة ومنتجة للبنين والبنات، وفيها الرحمة والمودة، ويترتب عليها تنازلات من قبل المرأة قد تكلفها خسائر مختلفة في حال الطلاق، ولأن هذا النوع من الزواج فيه عدم صدق وعدم أمانة ومبني على باطل، لأن فيه خديعة للمرأة فإن عليه الكثير من الملاحظات التي لا يقبل بها العاقل والحر مهما كانت الظروف، لأنه لو أعلن المتزوج نية الطلاق للمرأة لما قبلت بالزواج منه بل سوف تحتقره، ولو قبلت المرأة به فإنه يعد زواج متعة. والسؤال الذي يطرح من قبل الراغبين في فهم هذه الفتوى: ماذا عن المرأة نفسها التي تريد أن تعاشر الرجل لحاجتها مثل الرجل؟ هل يمكنها القبول بالزواج بنية الطلاق؟ المحير في الأمر أن هذه الفتوى قد استغلت استغلالا كبيرا من قبل من يبحثون عن الأعذار والرخص والفتاوى التي تجيز لهم ممارساتهم بفتاوى شرعية ولكن الغاية والنية سيئة! وإذا كانت الأعمال بالنيات فيجب الحكم على النية المبيتة والتي تخالف الدين، لأن العمل مرتبط بها. لقد أنتجت هذه الفتوى مشكلات كثيرة لمن عمل بها أو استخدمها أو تستر خلفها، وقد قال بعض من يريد تفسير الفتوى أو تبريرها إن الهدف هو حصانة الرجل من الحرام، وخاصة إذا أراد أن يرتبط بامرأة غير مسلمة في بلد غير مسلم يجيز العلاقة خارج الزواج. وهذا أمر لا يقبله الدين بأي حال كان. ولكن هل تطبق الفتوى على النساء المسلمات؟ وهل يقبل الرجل أن يزوج ابنته أو قريبته بنية الطلاق؟ طبعا لن يقبل أحد حتى لو كانت تحت الضغط والإكراه، لأنه غير مقبول اجتماعيا ونفسيا ولا ثقافيا، ناهيك عن الدين، إلا عند من من يبحث عن الأعذار. لقد استغلت الفتوى من قبل البعض لإشباع غرائزهم، معتقدين أنهم في ذمة من أفتى بتلك الفتوى، ولهذا يقول البعض من الجهلة ممن يرتكب الأخطاء أو يبرر ممارساته غير الشرعية في أي مجال كان "اجعل بينك وبين النار مطوعا". هل يعقل أن يكون هذا أسلوب ومنهج بعض من يتتبع الفتاوى لمخالفة الدين حتى وإن كان يعرف بل ويشعر بالإثم؟ هناك خلل كبير في التفكير وسوء استغلال للدين ممن يدعي الحفاظ عليه. لقد تسببت هذه الفتوى في خلل عظيم نتج عنه هتك للأعراض باسم الزواج بنية الطلاق، وخاصة في البلدان الفقيرة التي يستغل فيها أنصار الفتوى من الطرفين عوز الناس وجهلهم وضعفهم، واعتقادا منهم أن الدين يجيز الممارسات الخاطئة التي أفرزت مشكلات كثيرة لها نتائج سلبية تضر بالمصالح العامة والخاصة، حتى تضرر منها كثير من الناس ووصلت إلى مستوى العلاقات بين الدول، بل لقد استغلها تجار الأعراض وغرروا بالرجال والنساء، وظن البعض ممن يعتقد بصحة تلك الفتوى أنهم على حق وأنهم يفعلون الحلال. وبعضهم يعلم في قرارة نفسه أن تلك الفتوى تختلف مع العقل والمنطق والدين، بل إن فيها اعتداء فاضحا على حقوق المرأة وما ينتج عن ذلك النكاح الذي يعد سفاحا في غالبه، هذا بالإضافة إلى حقوق بعض الرجال المغرر بهم باسم الشرع. هذه الفتوى فردية وغير ملزمة واجتهاد غير موفق، أو غير مدروس، لما يترتب عليه من مفاسد ومظالم وأضرار. ويجب مناقشة هذه الفتوى في ضوء نتائجها التي مضى عليها عدة عقود والبعض يستغلها، مع أن الأغلبية لا يقرونها ولا يقبلون بها لشكهم فيها، خاصة أنهم يعلمون أن الله يحاسب على النية. إننا نطالب ببحث هذه الفتوى وغيرها من فتاوى الزواج المضللة التي هي من شغل الخاصة من العلماء وليست للعامة، وبحث ما يترتب عليها من نتائج ومشكلات انعكست سلبا على فهم الناس للدين. والواجب على العلماء في جميع المؤسسات الدينية والدول إصدار ما يعالج نتائج تلك الفتوى والتصدي لها ومن يفتي بها، والعمل على الحد من النتائج الخطيرة التي ترتبت على استغلال الفتوى وأخذها ذريعة ممن يعلمون في دواخل أنفسهم وفي عقولهم أنهم يعتدون على دينهم وأنفسهم وقيمهم ومجتمعاتهم أولا، ثم على غيرهم ممن يقع ضحية هذه الفتوى، ولهذا فإن من يعتمد على هذه الفتوى لارتكاب محرم لا تعفيه من العقاب والحساب، وخاصة أن البعض لا يجيزها لأهله فكيف يقبل بها للآخرين! لهذا وجب على علماء المسلمين التصدي لهذه الفتوى وتوعية الناس بالنتائج السلبية والخطيرة والإثم الذي يترتب من استغلالها للعبث بالمحارم والوقوع في المحرمات والاعتداء على حقوق المحتاجين والجاهلين بالدين. إننا نطالب بما يلغي هذه الفتوى وغيرها من الفتاوى الفردية التي يترتب عليها الكثير من المفاسد، حتى وإن كانت في نظر البعض جائزة شرعا في مواضع معينة لم يستطع المفتي بها إيصال فتواه للعامة بشكل كامل، يعرفون حدودها ومكانها وزمانها والفئة التي تنطبق عليها، لهذا وجب على أهل العلم والرؤية الصائبة والإدراك بالنتائج التي تضر بالمصالح العامة والخاصة أن يردوا على من يطلق تلك الفتاوى، وأن يوعوا الناس بما يترتب عليها، حتى وإن كانت جائزة شرعا، غير أن المضار والمفاسد الناتجة عنها قد تتعدى الغاية الشرعية أو المقصد الشرعي الذي صدرت فيه الفتوى. نكتب ونحن نعلم أن علماء أمتنا الأفاضل قادرون على معالجة هذا اللبس عند الناس، وحصر المشكلة في مكانها قبل انتشارها وتحولها إلى كوارث تطال ثوابتنا ومرجعياتنا وعلاقاتنا الدولية.