في أحد المراكز الإسلامية اهتمّ أمريكيٌ بالإسلام، وبدأ يشارك المسلمين جُمعهم، ويسألهم عن بعض المسائل الدينية. ازداد تعلّقا بالإسلام، وصار يصلّي معهم صلوات العشاء بعد أن يفرغ من عمله، ثم انقطع فجأة، وتساءل المصلّون عن غيابه، فأجاب أحدهم – وهو يكاد يتفجّر من الغيظ – أن الأمريكي كان يصلّي معهم وهو لم يسلم بعد، وأنه منعه من دخول المسجد إلا بعد إسلامه. لم تفلح محاولة بعض المصلّين في إفهامه أن تغيير الديانة قرارٌ صعب ومصيريّ يتطلّب الكثير من الوقت والتفكير؛ بل اتهمهم بتمييع الدين. هناك من يمارس نفس هذا الأسلوب في التنفير من الدين ولكن مع المسلمين، فعلى سبيل المثال: ما إن ينصح أحدٌ بسماع شيء ما حتى يردّ عليه متشّددٌ بالاستماع إلى القرآن، وإذا نصح بكتابٍ ردّ عليه بأن يقرأ القرآن بدل إضاعة وقته، وإذا نصح بمكانٍ معين للسفر ردّ عليه بأن يقضي إجازته في مكة ليتعبّد الله. وهم لو تمعّنوا في قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : «إن هذا الدين يسرٌ، ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه» لما صوّروا للناس أن المسلم هو المنقطع عن دنياه للعبادة، فيظنّ الناس أنهم عصاة بعيدون عن الدين فيزدادوا بعدا. المنفّرون يجنون على أنفسهم أيضاً لأن الإفراط نهايته التفريط، ويقول في ذلك ابن التين: رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطّعٍ في الدين ينقطع. وقد رأينا ذلك بعده فلو دُقّق في سير بعض متطرّفي اليسار لوُجد أنهم كانوا من متطرّفي اليمين والعكس صحيح. المتطرّفون هم إما ضحايا التفريط أو الإفراط.