المياه الوطنية تعلن جاهزيتها في المدينة المنورة لموسم حج 1445ه    فيتش Fitch ترفع التصنيف الائتماني ل "السعودية للكهرباءSEC " إلى +A ليساوي التصنيف السيادي للمملكة    برلمان العرب: الاعتراف الدولي المتزايد بفلسطين يؤكد عدالة القضية    خادم الحرمين وولي العهد يهنئان الملك عبدالله الثاني بذكرى استقلال بلاده    الحملات المشتركة: ضبط 17030 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    145 ألف دولار إجمالي جوائز الدانة للدراما    الهلال يتخذ قرارًا بشأن مصير ميتشيل ديلجادو    "مفاجأة حزينة" و"أحلام ميسّرة" ترويها مستفيدة مبادرة طريق مكة من تركيا    لجنة الصداقة السعودية الكوسوفية في الشورى تلتقي عددًا من المسؤولين    "حسن" ينير منزل الاخصائي عزي بقال    الدفاع المدني يتيح تمديد التراخيص عبر "أبشر أعمال"    10 آلاف غرامة استزراع النباتات الغازية    بن نافل: نطمح لمكانة أعلى للهلال بين الأندية العالمية    الفيصل يتوِّج الهلال ب "دوري روشن"    انخفاض قيمة العملات الرئيسية مقابل الروبل    "موديز" تصنف المملكة عند "A1"    فرصة هطول أمطار على نجران وجازان وعسير والباحة ومكة    "جوجل" تتيح مشاركة كلمات المرور مع العائلة    المجالس الأدبية والفنية في القرن ال19    "سناب شات" تضيف عدسات الواقع المعزز لكروم    تقنية جديدة لعلاج الشلل بالضوء    ابتكار رقاقة تحمي الأجنة قبل الولادة    الأطفال والمراهقون أكثر عُرضة لقصر النظر    مصرع عشرات الأشخاص بسبب ارتفاع درجات الحرارة في المكسيك    اختتام "مهرجان الكتاب الثاني" بنادي الشرقية الأدبي    أمانة الشرقية تختتم مشاركتها في المؤتمر الخليجي لتنمية الموارد البشرية    جمعية إسناد تقيم حفل ختامي لمستفيدي مراكز الرعاية والتاهيل    دول العالم تفشل في التوصل إلى معاهدة بشأن الاستعداد للجوائح    "الاتحاد" يحسم لقب الدوري الممتاز لدرجة الناشئين تحت 17 عاماً    الاتفاق يستأنف تحضيراته بتدريب استشفائي بعد مباراة الشباب    تتويج نادي أبها ببطولة الدوري السعودي الرديف للموسم 2023-2024    الدفاع المدني يتيح خدمة تمديد مدة التراخيص عبر منصة "أبشر أعمال"    من المسؤول ؟    سيميوني: ريال مدريد هو الأفضل في العالم    مصر تكثف كشف الغموض عن جثث ثلاث فتيات بالصحراء    القصيبي: فرق «مسام» انتزعت أكثر من 450 ألف لغم وعبوة ناسفة    شرطة القصيم: القبض على مقيم سوري لابتزازه فتاة    رئيس مجلس الشورى يصل الجزائر    جامعة الملك خالد تحقق المركز 111 بين الجامعات الشابة في تصنيف التايمز العالمي 2024    ولي العهد يعزي رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة في إيران بوفاة الرئيس ووزير الخارجية ومرافقيهما    مدير عام هيئة الأمر بالمعروف بنجران يزور محافظ شرورة    «الأحوال المدنية»: منح الجنسية السعودية ل14 شخصاً    خطيب الحرم: أمن الحرمين خط أحمر ولا شعارات بالحج    أمطار رعدية على أجزاء من 4 مناطق    كوادر سعودية ترسم السعادة على ضيوف الرحمن الأندونيسيين    دار طنطورة.. التراث والحداثة بفندق واحد في العلا    "العلا" تكشف عن برنامجها الصيفي    خريجو «خالد العسكرية»: جاهزون للتضحية بأرواحنا دفاعاً عن الوطن    متى القلق من آلام البطن عند الطفل ؟    «رحلة الحج» قصص وحكايات.. «عكاظ» ترصد: كيف حقق هؤلاء «حلم العمر»؟    سفارة المملكة في إيرلندا تحتفي بتخرج الطلبة المبتعثين لعام 2024    الاستثمار الثقافي والأندية الأدبية    «الثقافة» و«التعليم» تحتفيان بالإدارات التعليمية بمختلف المناطق    تنوع أحيائي    فيصل بن خالد يرأس اجتماع الجهات الأمنية والخدمية المشاركة في منفذ جديدة عرعر    دفعة جديدة من العسكريين إلى ميادين الشرف    أمير حائل يشكر جامعة الأمير محمد بن فهد    برعاية الأمير عبدالعزيز بن سعود.. تخريج مجندات بمعهد التدريب النسوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلطة المثقف ومثقف السلطة

تشهد الساحة الإعلامية السعودية حراكاً ثقافياً يعطي دوراً متزايداً للمثقفين من الكتّاب والصحفيين في الانخراط بقضايا المجتمع وما يتصل به من المؤسسات، مما جعل بعض الجهات الرسمية تتذمّر من نقدهم الذي تجاوز الموضوعية .. ولعل العلاقة.....
.....بين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين بعض كتَّاب الصحف تُعَد مثالاً واضحاً ..
شكوى بعض المؤسسات من نقد الكُتّاب ارتفعت بحدَّة هزَّت بعض المثقفين لدرجة أن أزاحوا خطابهم من الفضاء الثقافي النقدي إلى الفضاء الرسمي، كمراجعة أو تراجع عن القفز نحو مجهول مستقبلي أمام منجز واقعي يمتلك القرار، ليصبح خطاب بعض المثقفين السعوديين غير واضح التأثير ..
وكان تأثير المثقف السعودي غالباً يتركّز في النطاق الأدبي والثقافة النخبوية، ولكن مع مرحلة الإصلاحات التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله رائد الحوارات المحلية والعالمية، تبعه إصلاح دور المثقف لكي ينخرط في قضايا المجتمع. أضف إلى ذلك أن المجتمعات العربية تمر بتحولات كبرى، وفي فترة التحولات يصعد دور المثقف لأنه مرتبط بتشكيل الوعي الجمعي، فيحدث للعلاقة بين السياسي والمثقف إعادة تشكيل قد يصاحبها توتر، لكنه صحي طالما ظل في حدوده الثقافية ..
يسعى السياسي والمثقف إلى غاية واحدة (خدمة المجتمع)، لكنهما يختلفان في الوسائل .. فوظيفة مؤسسات السلطة هي الحفاظ على الاستقرار وضبط الأنظمة، بينما وظيفة المثقف النقد وطرح الأسئلة المحرجة .. أو كما يقترح ماكس فيبر، بأن السياسي مشغول بالأهداف المباشرة، بينما المثقف مشغول بالغايات الإنسانية الكبرى؛ السياسي يبحث في البرامج عن الإمكانية بينما المثقف يبحث في البرامج عن الأفضلية .. الأول معني بالفعالية العملية والثاني معني بالحرية والحقوق .. الأول قضيته الواقعية والثاني قضيته الحقيقة .. الأول لديه مسؤوليات محددة نظاماً حسب تخصصه والثاني لديه مسؤوليات مفتوحة مرتبطة بقضايا عامة تتجاوز حدود تخصصه .. فالمثقف ليس مسؤولاً عن نفسه، وإنما مسؤول عن كل البشر، كما يزعم سارتر الذي يرى أن المثقف شخص يهتم بأمور لا تعنيه إطلاقاً، أي أنه متطفل فضولي بطبيعته، يتجاوز الالتزام بتخصصه المهني بسبب ما لديه من روح ناقدة وباحثة.
تاريخياً، العلاقة بين رجل السياسة ورجل الفكر تتفاوت بين التلاقي والتنافر، وقد يصل التنافر بينهما بأن يحكم على الثاني بالإعدام كما حدث لسقراط، ليتأثر تلميذه أفلاطون بشدة ويحاول التوفيق بينهما بدمجهما معاً في جمهوريته، متطلعاً دون جدوى إلى بناء السياسة وفقاً للمُثُل الفلسفية العليا .. لكن أرسطو أبو المنطق وتلميذ أفلاطون تنبّه إلى استحالته آنذاك، وطرح علم السياسة منفصلة عن الفلسفة وصار أستاذاً للإسكندر المقدوني أحد أخطر القادة الذين ظهروا في التاريخ!
وفي تراثنا نجد كل أنواع العلاقات، ومن طريفها البليغ ما ذكره ابن عساكر من أن عبد الملك بن مروان حبس خارجياً طلق اللسان واسع المعرفة بعد أن أعجب به شخصياً، وقال له: لولا أن تفسد بألفاظك أكثر رعيتي ما حبستك!
وفي بدايات العصور الحديثة ظهر ميكيافلي كمثقف سلطة بامتياز، في كتابه (الأمير) حيث السياسي المخادع النفعي، مشكلاً تحدياً صعباً لكل التطبيقات السياسية لنظريات المفكرين اللاحقين التي حاولت أن تجعل من السياسة عالماً منظماً وعادلاً ومثالياً .. فممارسات روبسبيير الإرهابية إبان الثورة الفرنسية كانت تطبيقاً للنظريات الإنسانية لمونتيسكيو وجاك روسو وفولتير الذين رفضوا السلطة الأرستقراطية .. وحُكم لينين وستالين الدموي كان تطبيقاً لمثاليات الاشتراكية العلمية لماركس وإنجلز اللذين تمرّدا على السلطات البرجوازية!
هذه النماذج السياسية السيئة ليست القاعدة، فأغلب السلطات أثناء مراحل الاستقرار تخدم مجتمعها وفقاً لمبادئ هذا المجتمع، وبالتالي فإنّ المثقف ليس أطهر من السياسي لكن استخدامه للثقافة يمنحه مظهر الحكم المحايد البريء، بينما قد يكون أسوأ من السياسي المستبد ويحارب المثقفين، ألم يقل المثقف النازي جوزيف جوبلز عندما أصبح وزير إعلام هتلر: كلما سمعتُ كلمة مثقف تحسست مسدسي!؟ وهو المُنظِّر وكاتب الخطب لهتلر وصاحب مقولة: اكذب ثم اكذب حتى تصدقك الجماهير .. وصار للكذب منهج ثقافي وبرنامج نفسي تتسابق عليه المؤسسات السياسية..
وسواء كان المثقف في السلطة أو مستقلاً عنها، فإنه يدخل في شبكة علاقات السلطة على حد تعبير ميشيل فوكو (وهو أخطر من عرَّف المثقف)، الذي يرى أنّ المثقفين طرف في السلطة .. فأياً كان موقع المثقف فهو يظل في نطاق فضاء السلطة وممارستها وفي بنية خطابها ومن ثم طرفاً في لعبة السلطة. فإذا كان المثقف يشارك في صياغة وعي المجتمع، فإنه بالضرورة يتقاطع وبعمق مع السياسي .. طبعاً هنا المقصود بالمثقف هو المثقف العضوي حسب تعريف جرامشي (وهو من أهم معرفيّ المثقف)، والذي يرى أنّ لكل طبقة اجتماعية مثقفيها الذين يرتبطون بها عضوياً, وينشرون وعيها وتصوّرها عن العالم.
والسؤال هنا، أين تتأسس سلطة المثقف؟ ديمقريطس كان يفضل الظّفر بفكرة تتقدم بها الحياة على أن يظفر بمُلك فارس، إنه سمو الفكر المتجرّد من المصالح المادية ومن المنافع الخاصة .. فكر صادق يتَّسم (كما يعبِّر الفلاسفة) بالبراءة والشرف والنوايا الحسنة والنزاهة والإبداع الجمالي .. كل هذه الصفات النبيلة - حتى لو كانت وهمية - تمنح المثقف صورة المراقب النزيه، الذي همّه قول الحق والعمل النافع للمجتمع .. وهنا تتجلّى سلطة المثقفين في عقول وقلوب الجماهير: قوة الحق أمام حق القوة!
وفي قوة الحق ينقاد المثقفون في عملهم بما أطلق عليه فيبر أخلاقية الاعتقاد الراسخ بالحق، أكثر من انقيادهم لأخلاقية المسؤولية، التي تتميّز بها الوظيفة السياسية. ويحذر ليكلرك المثقفين (في كتابه سوسيولوجيا المثقفين 2008) من أنّ المبالغة في الاعتقاد الراسخ قد تتحوّل إلى تعصّب؛ ومن هنا جاءت دعوة فوكو (المابعد حداثية) بأنّ على المثقف أن لا يصدر أحكاماً قطعية أو يدعي بأنه يمثل ضمير الأمة أو لسان الجماهير أو العراف الكبير .. الخ. ورغم أن البعض (المابعد حداثيين) استند على فكره فوكو هذه لطرح مقولة موت الإيديولوجيا ونهاية التزام المثقف، فإنّ انخراط فوكو في الفعل الثقافي من مظاهرات وبيانات احتجاج في الستينات والثمانينات في القرن الماضي، يوضح أنّ ما يرمي إليه فوكو كان تحويل خطاب المثقف إلى خطاب الحياة بدلاً من خطاب الحق..
تعتمد علاقة المثقف بالسلطة على موقف وضمير المثقف وعلى طبيعة السلطة والمجتمع، لأنّ الثقافة في أساسها فكرة وضمير وليست وظيفة محددة يمكن قياسها .. إنما من المؤكد أنّ المعرفة قوة، والقوة سلطة، والمثقف يمتلك المعرفة لذا يمتلك سلطة، وتصبح هذه السلطة مؤثرة فعلاً إذا كانت مستقلة، فالمثقف لن يكون فاعلاً ما لم يحافظ على حريته واستقلاليته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.