منذ صغري وأنا شغوف بمتابعة أدب الحجاز، وخاصة أعلامه الذين يظهرون في التلفزيون، ويكتبون في الصحافة، وإن كانت الفترة التي وعيتها هي نهاية ما يمكن أن نسميه أدب الحجاز، والتي انتهت بموت أعلامه الكبار: محمد حسين زيدان، عزيز ضياء، أبوتراب الظاهري، حسين عرب، عبدالله عبدالجبار، وغيرهم من جيل الرواد الذين كانت وفاتهم هي المحفز الأكبر للرجوع إلى سيرهم وأدبياتهم التي ألفوها على مدى عشرات العقود. أدب الحجاز أدب متكامل، ليس على مستوى النص الأدبي والثقافي، بل على مستويات متعددة كالصحافة والتعليم وقراءة القرآن والانشاد الديني والفنون الموسيقية، والمجالس والصالونات التي ترعاها أسر حجازية معروفة، والحجاز بأعلامه ورموزه ظل ردحًا من الزمن قادرًا على ضخ الوهج الثقافي والديني، ثم انطفأ بموت أعلامه ورموزه، وظللت أتساءل كثيراً عن الجيل الذي خلف جيل الرواد الحجازيين؟ ولعل الأستاذ الأديب: حسين بافقيه هو وريث المجد الحجازي في الأدب الذي كنا نتابعه ونتلقاه من جيل الرواد رحمهم الله، وذلك لعدة اعتبارات أهمها: أن شخصية الأستاذ بافقيه هي شخصية حجازية في الشكل واللهجة؛ شخصية أصيلة لم تتغير مع كل ما مر بنا من تطورات اجتماعية وثقافية، وليس هذا فحسب، بل إنه في نظري يحقق مفهوم الأديب والبحاثة الأصيل في قراءاته الهائلة للموروث العربي في اللغة والأدب، وفي تتبعه لمسيرة الدرس النقدي في مدارسه القديمة والجديدة، وكذلك فالرجل عاصر ونهل من جيل الرواد الكبار، ومن جيل الثقافة العربية الأوائل الذين كانوا يأتون للحجاز من أجل التدريس في جامعات مكة، كما أن كتابات الأستاذ بافقيه - منذ أن كنت أتابعه وأنا في المرحلة الثانوية - ذات رؤية وهدف واضح لا تخرج في الغالب عن النقد الأدبي والتوثيق التاريخي للخطاب الثقافي والأدبي في الحجاز والمملكة، ومع ما مر بتاريخ الخطاب الأدبي في المملكة من تنازع ما بين تيارات الحداثة والتقليد والأدب الاسلامي، والأدب الأكاديمي، إلا أن بافقيه ظل واعياً وعارفاً بهدفه الثقافي والأدبي، ولم تكن تلك التيارات مثيرة له لأن يركب أمواجها، والسبب بسيط جداً، وهو ليس لأنه ضد التطور بل هو متطور ومواكب، ولكن السبب أنه صاحب ثقافة أصيلة ممتدة على مدى تاريخه التعليمي، والدليل أن كل الاتجاهات السابقة الذكر قد تلاشت، ولم يبقَ لها تأثير يذكر. بكل صدق لا أستطيع أن أصف سعادتي بمتابعة الأستاذ بافقيه كل ليلة على تويتر، فالرجل يقدم تغريدات هي بمثابة معلومات قيمة حول الكتب والمؤلفين وأعلام الثقافة ونقدات في الصحافة وعموم الخطاب الأدبي، وهي أشبه ما تكون بمراجعات مهمة لرجل خبر ذلك الخطاب، وجال في تلك المعرفة لأكثر من أربعة عقود من الزمن، كما أن برنامجه التوثيقي الجميل «رواق الذاكرة» الذي يعرض على موقع يوتيوب يعد من أجمل البرامج الثقافية التي لم نرَ مثلها على شاشات القنوات الرسمية اليوم، وهو في رواق الذاكرة يتذكر ويحلل ويسرد وكأننا في متابعته أمام صندوق الدنيا؛ صندوق الذكريات الأدبية الجميلة، مع حمزة شحاتة، وعلي الطنطاوي، وطه حسين، وزكي داغستاني، في مواءمة ذكية لمفهوم الأدب الشامل الذي يربط مصر بالمملكة، ويربط الثقافة الأدبية بمفهومها الإنساني الخالد. ليست هذه الكتابة مدحًا لبافقيه، فأنا لا أعرفه معرفة شخصية، ولم ألتقِ معه في يوم من الأيام، وإن كنت أشرف به وبلقائه، ولكن الهدف هو الاحتفاء بالجيل الممتد من أدب الحجازيين الذين غابوا طويلًا عن مجتمعنا الاعلامي والثقافي والتربوي والأدبي، إن الاحتفاء بأدب الحجاز والحجازيين في مملكتنا الحبيبة ليس فيه عنصرية، بل هو أدب التأسيس، وحجر الزاوية، والخطاب المهم في التاريخ الثقافي المعاصر، ولا يجوز أن نسميه بغير اسمه وذلك لضمان الحفاظ على الهوية والتاريخ الذي انطلق من جنبات البيت العتيق لكل أرجاء الدنيا. تويتر : @saldhamer