يعتبر عصرنا الحاضر ثورة حقيقية نحو التغيير، فمعطيات اليوم ومنتجاته تختلف كلياً عما كانت عليه المجتمعات في عصورها الماضية، فلم يبق لعصرنا صلة بماضيه إلا من خلال موروثات يقرؤها بالمكتبات وذكريات يشاهدها بالمتاحف؛ بل حتى هذه لم تعد تستهوي الأجيال الحالية وربما القادمة بشكل أكبر، وأمام هذه الحالة المقطوعة من التواصل المعرفي والتكاملي مع الماضي، بدأت تتشكل مجتمعات جديدة تستلهم في حاضرها كلَّ مقوماتها البنيوية والحضارية، وترتبط آليا مع منتجاتها المادية، وتتحول تدريجياً نحو قوالب صلبة أو معدات ميكانيكية أو برامج حاسوبية . والمجتمعات الإسلامية مترابطة بوثاق عقدي مشدود نحو الماضي برباط الوحي، وإذا قارناه بصورة الانشداد لدى الماديين النفعيين لوجدناه دعوة للرجعية وتقديساً للتخلف؛ وقد يصح الأمر لو كان الحال في الديانات الأخرى المحرفة، أما بالنسبة للإسلام فإن العيش وفق القيم الدينية والعمل بالشريعة الإسلامية يحقق للمسلم تميزاً فردياً وتقدماً مجتمعياً، وهذا ما سنناقشه في هذا البحث الموجز . هذا الموضوع على أهميته لا زال يفتقر للدراسات الفقهية المعاصرة التي تسبر غوره المادي وتأصله بالفقه الشرعي، وتحاول ربط المادة بمصدرها الرباني على سبيل تنقية الفرد من شوائب التعلق الدنيوي الطاغي إلى استلهام القيم الدينية في حياته العملية، وأمام هذه الحاجة يكمن الفقه سبيلا للجمع بين تلك المعطيات، بشرط أن ينطلق من قيود التقليد ومحاكاة عمل فقهاء القرون الماضية إلى تجديد الطرح العمراني وإدخاله في ابحاث الفقه المعاصر، وتوليد المسائل الجديدة وحث المكلّف على القيام بواجبه الحضاري والسنني، كما هو الحال في تدوين وقائع المكلفين العبادية أو في معاملاته المالية، وبصراحة أوضح نريد أن نقرأ فقها حضاريا دافعا لشهود الأمة على الأمم، يحث على السير والنظر في الأرض ويقوم بواجب التسخير الكوني ويفتح آفاق السنن الكونية ويبتكر طرق الترويض العلمي النفعي لها، حتى لا نبقى نراوح مكاننا ونحفظ وندرّس مسائل قد اندرست كل معالمها في الحياة المعاصرة، كأبواب الرق والمكاتبة وأغلب ما في كتاب البيوع وأكثر ما يتعلق بالديات والجروح وغيرها من مسائل كان لها أكبر النفع في عصرها، ولكنها أضحت مع معطيات عصرنا في شذوذ وغرابة . الكتاب من نشر الشبكة العربية للابحاث والنشر ببيروت وقد نزل الكتاب في مارس 2012 م للاسواق والمكتبات العربية .