في غضون دقائق قليلة من إعلان قوات التحالف هدنة إنسانية في اليمن لمدة 48 ساعة قابلة للتمديد في حال التزام الحوثيين بشروطها، اخترق الحوثيون كالعادة هذه الهدنة، حيث تعرضت الأحياء السكنية شرق تعز لقصف الميليشيات وقوات المخلوع، والأمر ذاته حدث في مأرب، رغم أن هذه الهدنة قد جاءتْ استجابة لطلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، تجاوبا مع جهود الأممالمتحدة والجهود الدولية لإدخال أكبر قدر من المساعدات الإغاثية والطبية للشعب اليمني، وبعدما تعهد المتمردون للمبعوث الدولي بالالتزام بالهدنة وشروطها، إلا أنها لم تخرج عن سياق الهدن التي سبقتها، والتي كان الحوثيون يستميتون للحصول عليها بذريعة الدوافع الانسانية، إلا أنهم سرعان ما يتنكبون عنها، لأن آخر ما يفكر فيه هؤلاء الانقلابيون هو إغاثة المحتاجين، أو السماح بمرور العمل الإنساني، حيث اتضح أنهم يعمدون إلى طلب هذه الهدن كلما تم تضييق الخناق عليهم، وأصبحوا أمام مأزق عسكري، ليلجأوا لطلب الهدنة للفكاك من الشرك الذي وقعوا فيه، وهو ما تعيه تماما المقاومة الشعبية وقوى التحالف، لكنها غالبا ما تضطر للقبول بالهدنة حتى لا تبدو وكأنها هي من يحول دون العمل الإنساني أو يقطع الطريق عليه، غير أن هذه الهدنة التي تم تقويضها على أيدي الحوثيين وحليفهم المخلوع، يجب ألا تمر أمام أعين المبعوث الدولي، والوسطاء الدوليين والاقليميين مرور الكرام، بعد أن أدركوا بأم أعينهم أنها إنما تستخدم للأسف كتكتيك عسكري للخروج من بعض مآزق الانقلابيين، بدليل قطعهم الطريق على المساعدات الإغاثية، ومبادرتهم لخرق الهدنة، وضرب الأحياء السكنية في غير مدينة يمنية بمجرد أن تهيأت لهم الفرصة. وهذا السلوك الذي لا يشي إلا بتصرف العصابات التي لا ترعى إلا ولا ذمّة، يلزم أن يتم التعامل معه على ضوء ما هو حاصل بالفعل، بحيث لا يجوز أن يعود الحديث بعد هذه الوقائع عن طرفين في القضية اليمنية، لأنه لا يجوز أن تتم المساواة بين الشرعية والعصابات المتمردة التي لا تقيم أي وزن للعهود والمواثيق، وبالتالي لا تخجل من الانقضاض على ما وافقت عليه بمجرد فك الخناق عن رقبتها، لأن ما يجري في اليمن، وكما ترويه الوقائع على الأرض إنما هو حرب بين الشرعية والمقاومة الشعبية بمساعدة قوات التحالف التي دخلت نصرة للحق، وبين عصابات خارجة عن القانون، وعن الأعراف، وعن العهود، فهل يجوز بعد كل هذه الاختراقات المتكررة أن ينخدع العالم بطلبات الهدن التي تستخدم لغير ما أبرمتْ من أجله؟، هل يمكن أن يقبل عاقل من الشرعية اليمنية أن يسمح لقوى التمرد المرة تلو الأخرى بإعادة تموضع قواتها تحت غطاء الهدن؟، ثم هل من الحكمة أن يترك الأمر لهؤلاء المتمردين أن يمارسوا ألاعيبهم باسم الهدن الإنسانية التي فرّغوها باختراقاتهم الحمقاء من محتواها الانساني؟. إنه السؤال الذي يلزم أن يجد الإجابة من كل من يتحدث عن طرفين في اليمن، فيما واقع الأمر يؤكد أنه ليس ثمة من طرف غير الشرعية التي تقاتل عصابة لا تعرف صيانة العهود.