ببساطة نستطيع الإجابة عن هذا السؤال، بمجرد إلقاء نظرة سريعة على الشكل العام، لموائدنا في مناسبات الأفراح وغيرها، فالإسراف والتبذير سمة هذا الزمان، فالوضع لا يحتاج لجهد أي منظمة غذائية، لتقييم سلوكنا الاستهلاكي للغذاء، فجميعنا شاهد عيان على المبالغات، في الكم الذي تحتويه تلك الموائد من النعم المتنوعة، ونلاحظ بشكل واضح التباهي والتنافس المحموم، بذبح أعداد كبيرة من الإبل والأغنام، ناهيك عما يحيط بها من أكوام الأرز وأطنان الفاكهة، التي يؤكل منها نسبة بسيطة، والباقي يكون مصيره حاويات القمامة، نفعل ذلك يوميا ونشارك فيه بتبلد، وما زلنا نتجاهل ونصمت ولا نحرك ساكنا، تجاه ما نراه من عبث بالنعمة، الكل متحفظ خشية تبعات الإنكار العلني، ويستمر الإسراف والتبذير في مناسباتنا بدون أدنى مراعاة لمشاعر الجياع، الذين بلغ عددهم حسب آخر تقرير لمنظمة «الفاو» مليار جائع، غالبيتهم من النساء والأطفال، هؤلاء يعانون نقص التغذية وانعدام الأمن الغذائي، ونحن محتارون كيف نفعل ب12 مليون وجبة، كفائض طعام يرمى يوميا في حاويات مدينة الرياض، وكأننا بهذه الكمية المهدرة مشاركون في صناعة الجوع، مفارقة عجيبة تستحق منا التأمل، وتدعونا لمراجعة تصرفاتنا!! عندما أحضر المناسبات وخاصة مناسبات الزواج، أحاول تبديد الملل بدردشة جانبية مع من حولي، ومن خلال الدردشة أقوم باستطلاع للرأي، فأسأل عن شعور ومدى رضا هذا المدعو أو ذاك، عن ما يراه من ممارسات الإسراف، ثم ما هو المفترض عمله من حلول من وجهة نظره؟ الحقيقة لم أجد أحدا مؤيدا للبهرجة والموروثات الإسرافية، فالجميع يعبرون عن تذمرهم وإنكارهم، لمثل هذه المظاهر البذخية ويتمنون زوالها عاجلا، هذا الانطباع الإيجابي شجعني على أن أطلب منهم المبادرة، في خلق واقع جديد، يعيد لأجيالنا مفهوم الكرم الحقيقي، الذي سيلغي ما التصق بأذهانهم من «هياط» وكرم مشوه، ولكنني انصدمت في سرعة تراجعهم وهروبهم من مواجهة المشكلة، من خلال عباراتهم الانهزامية، واختلاقهم الصعوبات والمعوقات، التي هي مجرد أوهام يعيشونها!! لطالما راهنا كثيرا وطويلا على وعي المجتمع، وكم تطلعنا لحراك اجتماعي، تتبناه النخب وقدوات المجتمع والمؤثرون فيه، علها تساهم في تخليصه من مظاهر الإسراف والتبذير المتنامية، ولكن للأسف أبرزت وسائل التواصل الاجتماعي، الحجم الكبير للكثير من المباهاة والممارسات الخاطئة في المناسبات، لنجد النخب أنفسهم وقدوات المجتمع وذواته، هم من يتزعم التبذير ويتقدم الصفوف في الإسراف، ولحق بهم من يحاكيهم في إسرافهم، من متوسطي الحال وأصحاب الدخل المحدود، الذين فاق تبذيرهم غيرهم، مما يجعلنا أمام ظاهرة تجذرت وتطورت وباتت تهدد أمننا الغذائي، ومن الضرورة مواجهتها حتى لا تبقى عادة متوارثة، وتتعمق أكثر في المجتمع، فالتدخل الحكومي بعدما فشل المجتمع في احتواء المشكلة، أراه حلا مناسبا في هذا التوقيت ومن ضمن الحلول الضرورية، التي سينعكس أثرها على المجتمع، فالموضوع يحتاج لضبط وتنظيم وتوعية جادة، تضع حدا للتجاوزات والمبالغات التي ستوردنا المهالك!! من باب «لتسألن يومئذ عن النعيم» هناك مواطنون انزعجوا من إهانة النعمة، ووضعها في غير مكانها اللائق، فاستشعروا مسؤوليتهم الدينية والوطنية، وقاموا محتسبين بجهود فردية موفقة، فساهموا بمشروع «حفظ النعمة» وأداروه بمهنية واحترافية، فمصادرهم قصور الأفراح والفنادق والمطابخ والمطاعم، ثم تقوم بتجهيز الطعام وإعادة تأهيله بطريقة عالية المستوى، كوادر متخصصة تعمل وفق معايير سلامة وصحة الغذاء، ويتم التوزيع على المحتاجين بأسرع وقت، وبطريقة تحفظ ماء الوجه، بوركت الجهود، وكثر الله الغيورين على نعمته!!