الفنانة اعتدال عطيوى كانت مشغولة بهاجس الفن التشكيلي لتبحث في فرشاتها -كما تقول- عن امرأة تختبئ تحت ضرباتها بحزنها وفرحها حضورها وغيابها ورغم هاجسها في الفن التشكيلي وبحثها عمن يمكن أن يؤتمن أعمالها مع عدم وجود المتاحف المختصة انكبت عطيوي على عشقها الآخر التراث من خلال عمل دؤوب وجاد وثقت التاريخ الشفهي للتراث الحجازي، إلا أنها اصطدمت بجدار غياب المؤسسات المختصة والمهتمة بهذا بالتراث وظلت كتبها التي استنزف عمرها وجهدها ومالها في توثيقها وجمعها حبيسة الأدراج تنتظر من يخرجها للنور وللقارئ. اعتدال عطيوي اول فنانة تشكيلية يتم انتخابها في الجمعية السعودية للفنانين التشكيليين السعوديين وتم تكريمها في اجتماع وزراء الثقافة لدول مجلس التعاون في الدوحة 2015م كان ل"الجسر الثقافي" معها هذا الحوار: انعكاس الروح هل انعكست قضايا المرأة في لوحات اعتدال؟ -من الطبيعي جدا ان الابداع انعكاس الروح والذات في كل معاناتها وإشكالاتها بشكل تلقائي يمكن أن يتلمسه المتلقي حين يلتقط تفاصيله ورموزه ودلالاته انما لا أتتبع ذلك او قياسه ولكني أعلم أن في كل ضربة فرشاة تقبع امرأة تقاتل.. تضحك.. تبكي.. تطير. تسجيل التراث ما مدى انعكاس التراث الشعبي والعمراني في لوحاتك؟ -التراث الشعبي متجذر في كيان المرء وأحد مكونات شخصيته المعبرة التي تبدو واضحة في الدلالات الرمزية في العمل الابداعي مستلة من وعي ثري بهيج ولكني لم أكرس عملي لتسجيل التراث كما فعل البعض. معارض شخصية ما أهم المعارض التي احتضنت اعمالك داخليا وخارجيا؟ -معارض شخصية عديدة يحمل كل منها محورا وفكرة معينة ولكن معرضي في كندا له أهميته إذ للمرة الاولي تعرض فنانة سعودية هناك وكان للمعرض صدى رائع، وكذلك معرضي في لندن الذي افتتحه المرحوم غازي القصيبي.. ايضا كان له صدى جميل وحضره كل السفراء العرب والمهتمين بالفن. الحراج الفني ما رأيك في تسويق اللوحات التشكيلية؟ -تسويق العمل التشكيلي إحدى معضلات الفنان العربي عامة وحجر عثرة في طرق انتشار الفن العربي، ولذا تبرز أهمية وجود وكلاء للفنانين يؤدون هذه المهمة أو وجود الصالات المحلية التي تقوم بذلك وبسبب عدم وجود مثل هذه القنوات التسويقية ترتب عليه قيام الفنان بتلك المهمة وفشل معظم الفنانين في ذلك لأنه عمل يتطلب مهارة تسويقية لا يتقنها الكثيرون ولا يقدرون عليها وانا منهم.. مما أسهم في ظاهرة انتشار المعارض الجماعية المتكررة التي ابتدعتها صالات العرض تحت مسميات مختلفة، ولكنها أشبه ما تكون بالحراج الفني وهو أمر غير مقبول عندي حيث أضر ذلك بالحركة التشكيلية كثيرا وأدخلها في فوضى وعبث وأخضعها لسيطرة السوق كأي سلعة، وتفاجأت بمشاركة كبار الفنانين بها مع الأسف رغم تاريخهم. مغامرة اللون لديك لوحات ذات لون واحد فما سر هذه الأحادية في اللون؟ ا-اللون الأحادي أحد الأساليب الفنية المعروفة ويعني ذلك عندي قمة الانسياق للون في فترة إنجاز العمل بحيث يتلبسني تلقائيا بطريقة استحواذية لا فكاك منها الا بالرحيل الى لون آخر وتجربة مختلفة، وأعتقد أنها مغامرة شعورية غير مدركة للنفس ولكنها ممتعة جدا تتسلل الى كل تفاصيل حياتي في الملبس والأثاث حتي تنتهي. مفهوم التكسب ماذا أعطاك الفن التشكيلي وماذا أخذ منك؟ الفن بالنسبة لي كان ولا يزال شغف ممتع وملاذ ضد القبح وفوران الغضب وترهات النفس واحتراقاتها، أهرب اليه فأجد بردا ومطرا وعزاء حيوات كثيرة في حياة واحدة.. وهي خطى مشيتها واعية لما أفعل فأعطيتها وقتي وجهدي وكل ما أملك فالإبداع بالنسبة لي خارج مفهوم التكسب تماما ربما لظروفي الخاصة؛ لذا لا أجد ضيرا إن خضع للتسيلع عند كثيرين فلكل حقه وظرفه. متاحف للفن كانت اعتدال تعرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن قلقها على مرسمها وما جمعته من الموروث، برأيك كيف يمكن الحفاظ على هذه المراسم الخاصة؟ لا أعرف كيف يمكن أن نحافظ على الأعمال الفنية عند رحيل الفنان وخضوع إنتاجه لهبات المزاج الشخصي للورثة اذا كنا لا نملك الى الآن متاحف للفن التشكيلي، ولا أعلم سببا منطقيا لذلك ونحن بلد حضاري ونملك كل المقومات لإنشاء متحف للفن في كل مدينة فما الذي يعيقنا الى الآن وقد مر على تجربة الفن قرابة خمسين عاما..؟ فأنا أملك تقريبا اكثر من مائة عمل انظر لهم بحزن شديد ولا أعرف أين سيكونون يوما، وليس بمقدوري وكثير غيري إنشاء متاحف خاصة لأعمالنا هذا حال الاعمال فما بالك بالمراسم. جمعية التشكيليين كان لك تجربة انتخابية مع جمعية التشكيليين هل تحدثيننا عنها؟ وهل فشلت العملية الانتخابية في جمعية التشكيليين؟ وأين الجمعية عن المشهد الفني والتشكيلي؟ -الانتخابات في جمعية التشكيليين كانت تجربة ممتازة جدا وتمت برقي ونزاهة الا أن الجمعية واجهت صعوبات كثيرة حيث إن تجربة الانتخاب ووجود مؤسسات مجتمع مدني ما زالت وليدة في المجتمع لم تستوعب بشكل جيد بعد وهناك تداخل بين دور الوزارة كداعم للجمعية ودور الجمعية إداريا وتمويليا أضعفها وكان يجب ان تدعم الوزارة الجمعية فترة زمنية كافية للنضج والخروج بشخصية مستقلة حتى تعتمد على تنويع مواردها وتدريب افرادها. ولكنها انسحبت في المنتصف واكتفت بدور اشرافي غير واضح فبهت دور الجمعيات الثقافية وهذا الامر انطبق على كل الجمعيات التي انشأتها الوزارة لذا لا بد ان تعيد الوزارة النظر في الجمعيات الثقافية وتنشيطها بشكل جاد اداريا وتمويليا لأنها محرك اساسي للحركة الثقافية الهامة في بلادنا لو انها عملت بمقتضى النظام المحكم الذي وضع لها وهذه إحدى تطلعات المثقفين خاصة اذا وضعنا في الاعتبار انها الجمعية الوحيدة في الخليج التي لها فروع كثيرة لان بلادنا مترامية الاطراف وكل فرع يعتبر جمعية بحد ذاتها؛ لذا الجهد المطلوب كبير ويحتاج الى تخطيط دقيق ولا يكفي ان يكون هناك مجلس ادارة فقط فكيف يتحرك هذا المجلس بدون تمويل؟. صعوبات إدارية هل فشلت الجمعية والانتخابات؟ -الجمعية لم تفشل ولكنها بطيئة الخطوات نظرا لنقص التمويل وصعوبات ادارية وغير ذلك مما يعيق مسيرتها كثيرا. عشق الطفولة بالإضافة لكونك فنانة تشكيلية إلا أن لك مشروعا في جمع الموروث الحجازي هل تحدثيننا عن مشروعك؟ -التراث عشق حقيقي منذ طفولتي تعلقت به كثيرا وكنت أدون كلمات جدتي وأمي وخالاتي وأمثالهن وحكاياتهن في دفاتري.. وعايشت تراثي في ألعاب الطفولة مع أطفال أسرتي (كالبربر) و(الكمكم) و(السقيطة) وفي السهرات العائلية ورحلات البحر والطائف مع اقاربي وحكايات النوم وتسجل ذاكرتي الكثير من حكايا كبار السن ولقطات المكان. وفي مكتبتي جزء كامل للتراث الانساني بصفة عامة والعربي خاصة، ودفعني حبي للتراث الى إعداد برنامجين في الاذاعة استمرا عدة سنوات يعني احدهما بالتراث والآخر بالمكان. وقد آمنت بعد مشوار طويل من البحث والدراسة والاطلاع ان ابناء كل منطقة أقدر على حفظ تراثها نظرا لاختلاف اللهجات وتفاصيل المعايشة والارتباط الروحي والاجتماعي، فكان تركيزي في السنوات الاخيرة علي جمع وتدوين التراث الحجازي في المدن في سلسلة اصدارات ودراسات قامت على اسس علمية ومعرفية مختصة بالدراسات الاننثربلوجية هذه لذا استغرقت سنوات طويلة بدأت بكتاب الامثال الشعبية في الحجاز -كتاب الالعاب الشعبية- قاموس اللهجة الحجازية تحت الطبع. أهازيج الطفولة هل اشتغلت على حفظ اهازيج الطفولة؟ دونت اهازيج الطفولة بالطبع ضمن دراساتي عن التراث وهي محفوظة عندي وستصدر في اصدار منفصل. غياب الداعم ما تقييمك لاهتمام المؤسسات الثقافية بالموروث ودعم القائمين عليها؟ -حسب علمي لا توجد مؤسسات تدعم دراسات التراث بشكل مباشر وقد تقدمت للدارة بكتاب الالعاب الشعبية في المملكة وهو جهد 6 سنوات من العمل الشاق لطباعته فحجز لمدة سنة لديهم ثم اعتذروا بحجة وجود دراسات تشبهه عندهم، وكان بإمكانهم اختصار هذه المدة وإعلامي بذلك وإلى الآن لم يصدروا ما يشبه كتابي.. اما كتابي فما زال يقبع في الادراج لأني لم اجد مؤسسة ثقافية تتحمل طباعته. جمع التراث ما الصعوبات التي تواجهك في جمع الموروث؟ -لجمع التراث صعوبات كثيرة ومعقدة فهو عمل جماعي وعندما يتصدى له شخص بمفرده بدافع الحب والحرص يستغرق وقتا طويلا ويكلف جهدا ومالا ووقتا ثمينا وصبرا على ظروف الناس وتقلبات المزاج، وكل ذلك على امل ان يرى عمله النور ولا يفعل ذلك إلا عاشق للتراث، إضافة الى شح المصادر المطلوبة علميا كالكتب و التقارير والمستندات كالصكوك والصور مما يتطلب العمل المتواصل بالساعات الطويلة على الشبكة او السفر لزيارة تلك المكتبات مثل ارسيكا في اسطنبول او دار الكتب في مصر.. ورغم كل الصعوبات كالبحث عن معنى كلمة من مصدر لآخر والمواقف الطريفة والخيبات احيانا كان يغضب احد الاخباريين ويرفض التعاون مرة اخرى والحزن عندما يرحل احد مصادري الاخبارية وأحبائي في الوقت نفسه الا انني ما زلت أحب ما أقوم به. المفردة الشعبية هل اكتفت اعتدال بالاشتغال على المفردة الشعبية فقط أم كان للحكايات الشعبية والأهازيج نصيب؟ -انا لم اشتغل على التراث الشعبي دراسة وتحليلا فذاك أمر مختلف تماما يحتاج الى مستويات عليا من التفرغ والدراسة.. أنا جمعت ودونت كل ما استطعت التوصل اليه من تراث مدن الحجاز في معظم نواحي الحياة وطرحته من خلال ضوابط علمية معروفة فهذا مشروعي الحالي. آمل أن أجد في العمر والصحة متسعا لإكماله. من أعمال عطيوى .. وعمل آخر للفنانة لوحة للفنانة عطيوى