تؤكد الأبحاث الحديثة أن الحياة الاجتماعية الإيجابية للإنسان تفيد صحته أكثر من الحمية والتمارين الرياضية، وتخفض مخاطر الإصابة بالأمراض مثل الجلطة القلبية والخرف. بحث جديد جاء من (جامعو إكستر) بأستراليا حيث وجد العلماء أن البقاء ضمن الجماعة الواحدة، والعمل ضمن جماعة سواء في العمل أو البيت له أثر شفائي كبير على الأمراض. فبعد مراقبة طويلة يقول البروفسور "AlexHaslam": إن الإنسان تعود على الحياة الاجتماعية وأن يعيش في مجموعات منذ بداية خلقه، وهذه المجموعات هي جزء لا يتجزأ من شخصيته بل وتحدد مصيره الصحي والعقلي. وفي دراسة أجريت عام 2008 نشرت في مجلة "Neuropsychological Rehabilitation" وجد العلماء أن الحياة الاجتماعية المليئة بالتعاون والمحبة والتآخي قادرة على حماية الإنسان من النوبة القلبية والموت المفاجئ والوقاية من الخرف ومشاكل الذاكرة. وفي دراسة عام 2009 المنشورة في "Ageing and Society" تبين أن الإنسان كلما كان ارتباطه بالجماعة المحيطة به أقوى وكان التعاون بينهم أكبر كان لذلك الأثر الكبير في الوقاية من خرف الشيخوخة. وقد وجدت الدكتورة Catherine Haslam من الجامعة المذكورة أن الإنسان الذي يعيش منعزلاً تكثر لديه الأمراض، أما الذي يعيش ضمن جماعة ويمارس نشاطاته اليومية ويتعاون مع الآخرين ويشعر بأن له انتماء لمجموعة ما، فإنه يكون أقل عرضة للأمراض، وتقول إنه يجب علينا الاعتراف بالدور الذي تلعبه الجماعة في حماية صحتنا العقلية والجسدية، وهذه الطريقة أرخص بكثير من أي دواء ولا توجد لها آثار جانبية وممتعة! كلنا يعلم أهمية الجماعة في تعاليم نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، وأولاها الصلاة. فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ثواب الصلاة في جماعة أكثر من الفرد بسبع وعشرين درجة! وهذا ليس عبثاً، بل لفوائد كثيرة لا يزال العلماء يكتشفون بعضاً من أسرارها، واليوم نرى فوائد طبية تتجلى في حياة الجماعة أو المجموعات. يقول صلى الله عليه وسلم: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بسبع وعشرين درجة) [رواه البخاري ومسلم]. فعندما تحافظ على الصلاة في الجماعة، فإنك تكسب أجراً أكثر، وتعالج نفسك من الكثير من الأمراض. والحديث الرائع الذي قاله نبينا عليه الصلاة والسلام: (ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وتغشتهم الرحمة وتنزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده) [رواه مسلم]. وتأملوا معي كلمة (قوم) ليدلنا على فضل الجماعة. كذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم اهتم اهتماماً كبيراً بهذا الجانب، لدرجة أنه طلب من المؤمنين أن يكونوا كالجسد الواحد، فقال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً) [البخاري ومسلم]. ليس هذا فحسب بل إن النبي حذَّر من الفرقة والتشتت والعزلة، يقول صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة) [حديث صحيح رواه ابن ماجة 2363]. أما كتاب الله تعالى فقد جعل الخطاب يأتي بصيغة الجماعة، فلا نجد في القرآن (يا أيها المؤمن) بل دائماً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا)، مثلاً يقول تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2]. إن الملحدين عندما ابتعدوا عن الدين ووضعوا تعاليم خاصة بهم يسمونها "الحرية الشخصية" بدأوا اليوم يتراجعون عن هذه التعاليم، ويصدرون تعاليم تتطابق مع تعاليم ديننا الحنيف! وهذا يؤكد أن ما جاء به الإسلام هو الحق وهو الذي ينبغي علينا الالتزام به.