تحدثنا في المقال السابق عن ظاهرة اندماج الشركات التجارية، وتطرقنا لبعض المسائل المرتبطة بهذه الظاهرة، كالعوامل الرئيسية التي ساهمت في التوجه نحو الاندماج، علاوة على التطرق لبعض الجوانب ذات الصلة بالاندماج كالفارق بين الاندماج وتحول شركة من كيان نظامي لآخر، وكذلك الفارق بين الاندماج والانفصال، وأثر اندماج الشركة المندمجة على انقضاء شخصيتها الاعتبارية، وما زلنا نواصل الحديث حول هذا الموضوع المهم. واستكمالاً لهذا الطرح، فقد أوجبت المادة (214) من نظام الشركات الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/6) وتاريخ 22/3/1385ه على ضرورة مراعاة الأوضاع النظامية عند حدوث الاندماج، إذ نصت على أنه: "يكون الاندماج بضم شركة أو أكثر إلى شركة أخرى قائمة، أو بمزج شركتين أو أكثر في شركة جديدة تحت التأسيس، ويحدد عقد الاندماج شروطه ويبين بصفة خاصة طريقة تقويم ذمة الشركة المندمجة، وعدد الحصص أو الأسهم التي تخصها في رأس مال الشركة الدامجة، ولا يكون الاندماج صحيحاً إلا إذا صدر قرار به من كل شركة طرف فيه وفقاً للأوضاع المقررة لتبديل عقد الشركة أو نظامها، ويشهر هذا القرار بطرق الإشهار المقررة لما يطرأ على عقد الشركة المندمجة أو نظامها من تعديلات". ومما سبق يتضح لنا أن المادة المشار إليها أعلاه قد أوجبت أن يتم الاندماج وفقاً للأساليب الواردة في النظام، لتعديل عقد كل شركة طرف في عملية الاندماج أو نظامها الأساسي حتى يكون الاندماج صحيحاً، فضلاً عن مراعاة الجوانب المتعلقة بشهر قرار الاندماج وفقاً للشروط المحددة نظاماً. كما نصت هذه المادة أيضا على أساليب وطرق الاندماج، وهما طريقتان، الأولى: اندماج بطريق المزج، والثانية: اندماج بطريق الضم. ويتم الاندماج بطريق المزج عن طريق مزج أو اتحاد شركتين أو أكثر لتكوين وإنشاء شركة جديدة بمجموع رأس مال الشركات المنضمة، ويترتب على ذلك انقضاء وزوال الشخصية الاعتبارية للشركة المندمجة وظهور شخصية اعتبارية جديدة تختلف تماماً عن شخصية كل شركة من الشركات المندمجة قبل حدوث الاندماج. أما النوع الآخر من أنواع الاندماج، فهو الاندماج بطريق الضم، ويتم عن طريق اندماج شركة أو أكثر في شركة أخرى قائمة، ويستتبع ذلك انقضاء وزوال الشركة المندمجة وتنتقل معها كافة حقوقها والتزاماتها إلى الشركة الدامجة، وتظل الشركة الدامجة هي القائمة وتتمتع وحدها بالشخصية الاعتبارية. وبما أن الاندماج يترتب عليه انتقال جميع الحقوق والالتزامات للشركة المندمجة، إلا إذا نص عقد الاندماج على خلاف ذلك، فإن ذلك قد يستتبع الإضرار بدائني الشركة المندمجة. ولأجل حماية حقوق هؤلاء الدائنين، فقد نصت المادة (215) من نظام الشركات على أنه: "لا ينفذ قرار الاندماج إلا بعد انقضاء تسعين يوماً من تاريخ شهره، ويكون لدائني الشركة المندمجة خلال الميعاد المذكور أن يعارضوا في الاندماج بخطاب مسجل إلى الشركة، وفي هذه الحالة يظل الاندماج موقوفاً إلى أن يتنازل الدائن عن معارضته، أو إلى أن تقضي هيئة حسم منازعات الشركات التجارية بناءً على طلب الشركة بعدم صحة الاعتراض المذكور، أو إلى أن تقدم الشركة ضماناً كافياً للوفاء بدين المعترض إن كان آجلاً، وإذا لم تقدم معارضة خلال الميعاد المذكور اعتبر الاندماج نافذاً". ويفهم من هذا أنه يجوز لكل دائن نشأ حقه في مواجهة الشركة المندمجة قبل إتمام إجراءات الاندماج الاعتراض خلال تسعين يوماً من تاريخ شهر القرار بخطاب مسجل إلى الشركة، وفي تلك الحالة فلا ينفذ الاندماج في حقه إلا بتنازله من خلال عدم ممانعته لقرار الاندماج، أو إلى أن يقضي ديوان المظالم في تلك المسألة، أو إلى أن تقدم الشركة ضماناً كافياً للوفاء بهذا الدين إن كان مؤجلاً.