دعاة: تلاوة القرآن عبادة تجلو النفس في رمضان وتدبره غاية للاهتداء به

يرى البعض أن هناك تعارضاً بين تلاوة القرآن وتدبره، بينما يؤكد عدد من المشايخ أنه ينبغي الحرص عليهما معا، وإعطاء كل منهما حقه ونصيبه، وأوضحوا أن من ترك تدبر القرآن فقد هجره، والله «عز وجل» لا يرضى بحال من الأحوال أن ينزل كتاباً عظيما كهذا الكتاب الذي هو أعظم الكتب ثم بعد ذلك نهجره، وهذا لا يليق والله بحال من الأحوال أن يصدر ممن آمن بهذا القرآن، وآمن بمنزل هذا القرآن، وعرف هذه المعاني التي احتوى عليها هذا القرآن، مبينين أن الله «عز وجل» أخبرنا أن هذا الكتاب كتاب عزيز، ومن عزته أن معانيه الطيبة وما فيه من الكنوز والمعارف لا تنفتح ولا تدخل في القلوب المعرضة عنه، وذلك من عزة القرآن الكريم التي يجب أن يحرص عليها كل مسلم، ويستعرض هذا التحقيق عددا من جوانب الخير في التدبر والتلاوة وفهم دلالات وإشارات القرآن وتأثيره في النفس والقلب.
المجالس القرآنية
يقول الدكتور محمد بن عبد الله الربيعة: حين نرى هدي النبي «صلى الله عليه وسلم» نجد أن أعظم ما كان النبي «صلى الله عليه وسلم» يخص به هذا الشهر هو مدارسة القرآن مع جبريل، كما أخرج البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة».
ويوضح الربيعة: «من هنا فينبغي على كل مسلم ومسلمة أن يجتهدوا في إحياء هذه السنة النبوية وذلك بإحياء مجالس المدارسة القرآنية. ويسأل كثير من الإخوة والأخوات عن كيفية إقامة هذه المجالس في الحلقات والدور القرآنية، وبين أفراد الأسرة، وتيسيراً للأمر فقد استخلصت أبرز النقاط المهمة مما كتبته في كتاب مجالس المدارسة، والتي أرجو أن تعين على ذلك، ومن ذلك مجالس القرآن وهي مجالس قرآنية تعنى بمدارسة القرآن وتدبره، غايتها الاهتداء والتزكية، ومن ثم الخطوات العملية للمجلس وتشمل:
- التهيئة الإيمانية للمجلس: (تكون بتمهيد مشوق للسورة أو الآيات من خلال مقصدها وفضائلها).
- تلاوة السورة أو الآيات بترتيل مع التصحيح.
- التعريف بالسورة ومقدماتها وبيان مقصدها العام.
- قراءة تفسير مختصر كالتفسير الميسر، لفهم الغريب والمعنى العام.
- مدارسة السورة أو الآيات: وهذه الخطوة هي أهم خطوات المجلس.
- رسالة المجلس: يختم المعلم المجلس بأهم الرسائل الإيمانية مع التوصية بتطبيقها، ويمكن اختيار شعار قرآني من الآيات يتم كتابته وتعليقه في الحلقة أو البيت، والحث على تطبيقه خلال الأسبوع.
- التوصية بقراءة المقدار بتدبر في الصلاة، وتطبيق هدايات السورة، ونشرها.
إمعان النظر والتفكر
ويؤكد الدكتور محمد السريع أن الله أنزل كتابه ليعمل به ولتطبق أحكامه وليتعبد الناس به في الظاهر والباطن في أعمال القلوب وأعمال الجوارح قال «جل وعلا» مبيناً الحكمة من إنزال هذا الكتاب (كتاب أنزلناه إليك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) فالله «جل وعلا» أنزل هذا الكتاب ليقرأ ويحفظ ويتدبر ويعمل بما فيه ويتعبد الله بما أنزله في آيات الذكر الحكيم.
ويضيف السريع: «المراد بتدبر القرآن تفهمه والغوص على حقائقه وإمعان النظر نظر القلب في آياته والتفكر في هداياته هذا هو المراد بتدبر القرآن وقد نعى الله «تبارك وتعالى» على الكفار أنهم لا يتدبرون القرآن في آيتين، فقال سبحانه في سورة النساء (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا)،
إذا تدبر القرآن وتأمله والغوص على حقائقه يصل معه الإنسان إلى الحقيقة العظيمة، أنه هذا القرآن من عند الله «جل وعلا» إذ لو كان من عند غير الله -وحاشاه- لتبين من خلال النظر والتدبر والتأمل أن فيه اختلافاً وتناقضاً، عند ذلك يجزم الإنسان أنه من عند غير الله، ولكن هذا القرآن لا يزيده النظر والتأمل والتدبر إلا يقيناً وصدقاً أنه من عند الله «جل وعلا» إذ لا يوجد فيه تناقض ولا تعارض ولذلك فإن من أجلى الأدلة على صدق القرآن وصحة مصدره وأنه من عند الله أنه على مر السنون والقرون لم يثبت أن في القرآن تناقضاً ولا تعارضا، ولم يثبت أن فيه ما يعارض العلم الصحيح الثابت بالأدلة القطعية. وفي الآية الأخرى في سورة محمد يقول الله جل وعلا (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) هذا إنكار من الباري «جل وعلا» على الكفار أنهم لا يتدبرون القرآن قال الله (أم على قلوب أقفالها) أي أن السبب في عدم تدبرهم القرآن أن على القلوب أقفال تمنع وتحول دون تدبر القرآن والوقوف على ما فيه من الهدايات».
كنوز ومعارف
ويشير الدكتور خالد السبت الى أنه معلوم أن من ترك تدبر القرآن فقد هجره، والله «عز وجل» لا يرضى بحال من الأحوال أن ينزل كتاباً عظيماً كهذا الكتاب الذي هو أعظم الكتب ثم بعد ذلك نهجره، وهذا لا يليق والله بحال من الأحوال أن يصدر ممن آمن بهذا القرآن، وآمن بمنزل هذا القرآن، وعرف هذه المعاني التي احتوى عليها هذا القرآن، والله «عز وجل» أخبرنا أن هذا الكتاب أنه كتاب عزيز، ومن عزته أن معانيه الطيبة وما فيه من الكنوز والمعارف لا تنفتح ولا تدخل في القلوب المعرضة عنه، فهذا من عزة القرآن، ولهذا يقول شيخ الإسلام أحمد بن تيمية -رحمه الله- معلقاً على قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلبٌ ولا صورة) يقول: «فكذلك إذا كانت القلوب تحمل أخلاق الكلاب فإن الملائكة لا تدخلها بالمعاني الطيبة»، فإذا كانت القلوب مشغولة باللهو واللغو والعبث فأنى لها أن تفقه معاني القرآن.
ويذكر السبت بعض الأمور المعينة على التدبر على سبيل الإشارة والاختصار، ومن ذلك:
– تهيئة المحل القابل لذلك، وذلك بتخليص القلب من الأدناس والأرجاس، والصوارف والشواغل التي تُشتته وتُفرقه فلا يحصل له التدبر.
– قصد التدبر؛ لأن الكثيرين إنما يقرؤون لتحصيل الأجر فقط فيكون همهم منصرفاً لتحقيق أكبر قدر من التلاوة، ومن الناس من يكون همه إقامة الحروف وربما تنطع في المخارج فيكون ذلك صارفاً له عن المعاني.
– أن يستشعر أنه مخاطب بهذا القرآن، وليس الخطاب فيه متوجهاً لقوم قد مضوا وقضوا.
– فهم المعنى، والعناية بالتفسير.
– معايشة معاني الآيات.
– مراعاة مواضع الوقف والوصل والابتداء.
– الترسل في القراءة.
– ترديد الآية الواحدة.
حال القراء
أما الدكتور مساعد بن سليمان الطيار فيقول: «يقع سؤال بعض الناس عن أيهما أفضل، قراءة القرآن بتدبر، أو قراءته على وجه الحدر، والاستزادة من كثرة ختمه إدراكًا لأجر القراءة؟».
وهاتان العبادتان غير متناقضتين ولا متشاحَّتين في الوقت حتى يُطلب السؤال عن الأفضل، والأمر في هذا يرجع إلى حال القراء، وهم أصناف:
- الصنف الأول: العامة الذين لا يستطيعون التدبر، بل قد لا يفهمون جملة كبيرة من آياته، وهؤلاء لاشكَّ أن الأفضل في حقِّهم كثرة القراءة.
وهذا النوع من القراءة مطلوب لذاته لتكثير الحسنات في القراءة على ما جاء في الأثر: «لا أقول {ألم} حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف».
- الصنف الثاني: العلماء وطلبة العلم، وهؤلاء لهم طريقان في القرآن:
الأول: كطريقة العامة؛ طلباً لتكثير الحسنات بكثرة القراءة والخَتْمَاتِ.
الثاني: قراءته قصد مدارسة معانيه والتَّدبر والاستنباط منه، وكلٌّ بحسب تخصصه سيبرز له من الاستنباط ما لا يبرز للآخَر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ويقول الطيار إنَّ هذين النوعين من القراءة مما يدخل تحت تنوع الأعمال في الشريعة، وهما مطلوبان معاً، وليس بينهما مناقضة فيُطلب الأفضل، بل كلُّ نوعٍ له وقته، وهو مرتبط بحال صاحبه فيه، مضيفا: «ولا شكَّ أنَّ الفهم أكمل من عدم الفهم، لذا شبَّه بعض العلماء من قرأ سورة من القرآن بتدبر كان كمن قدَّم جوهرة، ومن قرأ كل القرآن بغير تدبر كان كمن قدَّم دراهم كثيرة، وهي لا تصلُ إلى حدِّ ما قدَّمه الأول».
نور القلب
ويشير الشيخ بلال الفارس الى أن القرآن في رمضان كان هو دأب السلف فقد كانوا يتوقفون عن مجالس الحديث ويقلون منها ويتفرغون لكتاب الله «عز وجل» لكن السؤال المهم كيف أقرأ القرآن القراءة التي تصلح قلبي؟ ما هو المطلوب مني حال قراءة القرآن حتى أستنير بهذا الكتاب الذي أقرأه لأنه نور ينير القلوب قال الله «عز وجل» (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا عليكم نوراً مبيناً)، وقد قال الله «عز وجل»: (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) وهو كما قال جمع من المفسرين نور القرآن نور كلام الله عز وجل إذا دخل إلى القلب المؤمن.. المطلوب مني حال القراءة أن أتدبر القرآن، أن أتدبر كتاب الله «عز وجل» لأن الله «سبحانه وتعالى» يقول: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) والتدبر معنى عظيم.
ويقول الفارس «التدبر هو التعظيم للقرآن، يبدأ أول درجات التدبر التعظيم للقرآن وأن تعلم أن هذا القرآن هو من عند الله «عز وجل» تؤمن إيماناً تعقد عليه فؤادك أنه من عند الله ثم يصبح هذا الإيمان هيبةً في هذا الخطاب الذي تقرؤه فأنت تقرأ خطاب الله «عز وجل» ملك السماوات والأرض.. تقرأ خطاب الذي خلقك فسواك فعدلك، خطاباً أنزله للنبي «صلى الله عليه وسلم» ليوصله لك أنت؛ ليصلح به قلبك ويصلح به دنياك ويصلح به أخراك، فإذا قرأته على هذا السياق فإن الآية سيكون لها وقع آخر على قلبك؛ لأنك تقرأ خطابا من الله إليك مباشرة؛ لذلك عتب الله على من أعرض عن القرآن من المؤمنين فقال (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله).
ويضيف: «والتدبر المطلوب هذا الذي يبدأ بالتعظيم للقرآن الكريم وتعظيم السياق وأنه من عند الله «عز وجل» قال أهل العلم أنه على درجتين، الدرجة الأولى هي تدبر السياق وتعظيمه حتى لو لم يسبق بمعرفة رفيعة في التفسير إنما إجلال الخطاب وأنه من عند الله «عز وجل» والدرجة الثانية من التدبر وهي المرحلة الأكمل والأتم هي ما سبق بتفسير يعني فهم السياق فهم الخطاب فيتدبر الإنسان الكلام الذي يفهمه فهماً حقيقياً، وقد استدل بعض أهل العلم على هذين النوعين من التدبر بقول الله «عز وجل» في سورة «ق» (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)، قالوا لمن كان له قلب -هذا القلب الذي يعظم السياق- وهو النوع الأول، أو ألقى السمع وهو شهيد، النوع الثاني أي أنه عظم السياق وازداد على الدرجة الأولى الذي له قلب أي أنه تعلم أو فهم سياق الآيات فكان تدبره أتم وأعظم من التدبر الأول، وكلا التدبرين مطلوب فلذلك هل يحرم العامة من التدبر لأنهم لم يقرأوا في التفسير؟ كلا، أبداً إنما العامي يستطيع التدبر من النوع الأول تدبر السياق وأنه من عند الله -عز وجل- وأن هذا كاف لإصلاح قلبه وكلما زاد في علم التفسير كانت الفتوحات في التدبر أعظم وأتم وأكمل لإصلاح القلوب».