الوطن العربي يُعاد تشكيله من جديد.. لا مراء في هذه الحقيقة، وكل إنسان يعتقد خلاف ذلك إنما هو يتمتع بتفكير سطحي ولا يرى من الجليد سوى الظاهر على سطح الأرض، ولا يلتفت إلى ما يمور تحت السطح من انزلاقات ومكامن زلزالية جاهزة للانفجار والثوران. حين بدأت ثورة تونس وتعاطف معها الرأي العام العربي وكان رأس الحربة فضائيات عربية وإعلام يمارس دوره الذي يعتقد أنه الأصوب حاول قادة السياسة والدول أن يوحوا بأن ما يحدث هناك لن يطالهم، لكن مصر لحقت بتونس واستعملت فيها نفس الأساليب من فضائيات وشبكات تواصل اجتماعية جديدة، وغرف بالتوك تبعد عن الحدث آلاف الأميال من اجل تسريع الطبخة المشروعة في ظل شعب يهجس بالحرية، ويثور على الظلم والفساد، واستمرت العملية.. وقال الآخرون: مصر وتونس غير، وها هي ليبيا واليمن وسوريا وغداً الله أعلم بمن يقع عليه الدور. هناك أرض خصبة تنمو فيها ثورة الشعوب وتترعرع الآمال وينكسر حاجز الخوف إلى الأبد. المسرح الدولي جاهز للتدخل في تعديل وتسريع مشاهد الثورات والانقضاض على أصوات الثائرين الحقيقيين الأصيلين من خلال إرغام شباب الثورة على الدخول إلى وحول السياسة على الأقل إن أحسنا النية لإبقاء الفلك يدور في مداره دون اصطدام بأفلاك ومجرات أخرى قد ينتهي المشهد بخسائر مكلفة. المخاوف التي نذكّر بها هي أن بروفات جديدة بدأت تظهر في المشهد وهي مقدّمات النزاعات الطويلة الأمد، وتفتت المكونات كما يحدث في ليبيا. حين عجز الغرب عن التحكّم في المشهد حاول تسريعه بالتدخل العسكري وكان فرصة للقذافي لإحداث انقسام في الشعب الليبي لصالح إطالة فرص حكمه، وكما صرحت روسيا يوم أمس بأن الوضع في ليبيا قد يتطور إلى تدخل بري من قوات الأطلسي والمجتمع الدولي مما يعني في نهاية الأمر صياغة خريطة أخرى لليبيا تشبه إلى حد ما العراق. التدخلات الأجنبية العسكرية في تطوّرات الأحداث العربية قد تحرّف مسار تطلعات الشعوب وتدفعها إلى النكوص خوفاً من المجهول ومن الأسوأ. أي تدخّل عسكري غربي وحتى دولي في شؤون الأحداث العربية هو مقامرة مرفوضة ومن المفترض عدم تشجيعها لأن مخاطرها كبيرة وتساهم في تفريغ الحلم العربي من إطاره الشعبي السلمي وتدخله في أتون الحرب الأهلية.. وما آل إليه الوضع في العراق خير مثال.