حينما نتحدث عن اليوم الوطني فإننا أمام حقيقة ذات أبعاد متعددة، ومتشعبة وعميقة، يتداخل فيها الحاضر والماضي والمستقبل، لأننا نتحدث عن إنجاز حضاري غير مسبوق في العصر الحديث، مساحة هذا الإنجاز من الناحية المعنوية أوسع من مساحته من الناحية المادية والجغرافية. وتقف أمامنا بهذه المناسبة مجموعة من القيم تستحق الإشادة، كقيم الشجاعة، وتحدي الظروف الصعبة، من أجل الهدف الأسمى وهو إقامة حكم الله، وهذا ما اتصف به الملك المؤسس يرحمه الله، والذي جاء مع نفر قليل يتطلع لتأسيس دولة مترامية الأطراف، فالهدف من الناحية المادية يبدو بعيداً في ظل الإمكانات المادية، وهذا الأمر يعطينا دروسا في الاستقامة والإصرار، ويضعنا أمام واقعنا الذي آمنا به، وقيمنا الأخلاقية التي اعتنقناها، وهي السبب وراء الإنجاز بعد توفيق الله بالتالي فإذا ما تعرضت بلادنا لخطر ما يهدد أمنها أو كيانها أو اسمها وسمعتها فإن سيرة المؤسس تدعونا لان نثق بالله أولا ونثبت على الخط الذي سلكناه وآمنا به وسارت عليه دولتنا الرشيدة عليه منذ أكثر من مائة عام. من هنا يمكن القول إن إنجاز التوحيد، وإنجاز التطوير والبناء، وإنجاز مواصلة الإنجاز، كلها آتية من أساس علمي إيماني قيمي واحد، لا يمكن لأحد أن ينكره، أو يضع له أسبابا غير منطقية، فلم تكن دولة التوحيد لتقوم وتأخذ وضعها بين دول العالم لو لم يبذل الجهد ويتصبب العرق والدم، ففي قصة إعادة الرياض العاصمة إلى الحكم السعودي يورد المؤرخون أن القائد المؤسس يرحمه الله حين انتقل من الكويت مع أصحابه كانوا يناموا نهاراً وتسير ركائبهم ليلا، حتى وصلوا إلى الرياض وحانت ساعة الصفر، كبر المكبر مع أذان الفجر، حيث أقام المغفور له أول صلاة فجر في عصر التوحيد وأعلن أن (الحكم لله ثم لابن سعود) على ضوء ذلك فإن جملة من التحديات سوف تواجهنا في طريقنا نحو الرقي لا يمكن مواجهتها إلا بالطريقة نفسها، والوسائل ذاتها، أي بالعمل والجد والاستقامة والصبر فهي القاعدة التي سار عليها الملك المؤسس فما (رام امرؤ من شيء إلا حصله أو ما دونه) ولعلنا هنا نشير إلى ان الملك عبد العزيز حاول فتح الرياض، فلم تنجح المحاولة الأولى عام 1901 ثم عاود بعد عام المحاولة وحقق الفتح وواصل مسيرته وأنجز دولة التوحيد، التي ننعم بخيرها وظلها، وستبقى على هذا الحال، بإذن الله. كذلك نجد في قصة الإنجاز أن دور الإنسان أهم من كل شيء، بل هو الأساس في كل شيء، فلو لم تكن الإرادة قائمة، والإصرار والعزم لما تحقق شيء مما نراه اليوم، لهذا فنحن في عصر النهضة ومواصلة الإنجاز نحتاج إلى تعميق قيمة الإنسان، فهو القادر على صناعة التاريخ، فالملك عبد العزيز يرحمه الله حقق إنجازه بعدد قليل لكنهم كانوا يحملون الارادة والعزم والإصرار لذلك حازوا النصر المؤزر وتحقق لهم ما أرادوا، والإنسان في عصرنا هذا أيضا يستطيع أن يحقق ما يريد إذا تحلى بالصبر والطموح والإرادة وتلك سمات هامة لمواصلة المسيرة التي ابتدأها المؤسس وسار عليها قادة البلاد والمواطنون جيلا بعد جيل. ان اليوم الوطني مناسبة هامة لدراسة التجربة ومعرفة تفاصيلها، فهي تجربة إنسانية هي الأنجح في تجارب الوحدة في العالم العربي خلال القرن العشرين المنصرم، كان الجانب الشخصي المتمثل في الصفات القيادية المتميزة لدى المغفور له الملك عبد العزيز قد ساهم مع تجاوب موضوعي من قبل المواطنين السعوديين، الذين ملوا من الصراعات والفتن والاضطرابات .. هذه الصفات لها جاءت من حقيقة الدين الإسلامي الذي لايزال يثبت للعالم قدرته على إقامة دولة عصرية تجمع بين الأصالة والعصرنة والحداثة والتراث .. وبالتالي فاليوم الوطني هو يوم الماضي، والحاضر، والمستقبل. بهذه المناسبة نهنىء خادم الحرمين الشريفين الملك فهد وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني، وكافة أبناء الشعب السعودي بهذا اليوم، يوم الوطن والمواطن والوحدة الوطنية . كل عام والوطن بخير في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني ...