حاتم الطائي أجود العرب ويضرب به المثل في الكرم , فقد كان ينفق ما يملك للضيف والمحتاج ولو كلفه ذلك جوع أهله وولده , وهو الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم عندما وقفت أمامه ابنة حاتم سفانة ووصفت والدها للرسول : ( يا جارية ، هذه صفة المؤمن حقاً ، لو كان أبوك مسلماً لترحّمنا عليه خلّوا عنها فإن أباها كان يُحِبّ مكارم الأخلاق ، والله يحب مكارم الأخلاق ) . ما جعل حاتم الطائي في هذه المكانة التاريخية لم يكن بسبب بذله وعطائه فقط , فعلى مدى التاريخ كان هناك الكثير من الكرماء الذي يعطون ويكرمون الضيف والمحتاج , غير أن حاتم انفرد بخاصية وهي أن البذل لديه مستمر وفي كل الحالات , في اليسر والعسر , ولم يكن بذله مقترناً ببحبوحة العيش لديه , ويمسك في غيره , بل كان في أغلب الأحيان التي يعطي فيها هو في أمس الحاجة لما أعطى , غير أنه يرى الأولوية للمحتاج والضيف على نفسه وأهله , ومن هنا أستحق حاتم أن يكون مضرب مثل في الكرم والجود . غير أن أحداً لم يتوقع أن يأتي من يسلب حاتم هذا التفرد في الكرم وهذه السيرة العطرة التي بقيت تتناقلها الأجيال حتى يومنا هذا ... بين كل عشرة قصائد مدح للشعراء الشعبيين ترى ثلاث قصائد أو أكثر يذكر فيها شعراؤها أن كرم حاتم لا يذكر بجانب كرم من يمدحونه من الشخصيات المعاصرة !! صحيح أن الشعر قائم على المبالغة في التصوير ولكن ليس الى هذا الحد يا شعراء ! إن أقصى حد مسموح به في المبالغة فيما يخص حاتم وكرمه هو أن نذكر بأن الشخص المراد مدحه فيه من لمحات من خصال حاتم الطائي , أما أن نجعله أكرم من حاتم وأن حاتم لا شيء أمامه فهذه هي السذاجة بعينها وإهانة للممدوح قبل كل شيء وتسفيه لعقول الآخرين الذين لن يمرروا هذا التجاوز وسيشكون في عقلية الشاعر حتماً . ولا أقول الا : مسكين أنت يا حاتم فرغم كل شيء أصبحت لا شيء بعين المداحين الشعبيين .