==1==إنما تنفع المقالة في المرء==0== ==0==إذا صادفت هوى في الفؤاد ==2== عمق المتنبي في رصد النفس الإنسانية، واكتشافه لأبعادها الداخلية المؤثرة في السلوك الذهني والعملي. يقفان وراء ما خلفه من أبيات شعرية، أصبحت أمثالاً سائرة على كل لسان. البيت المذكور أعلاه، من أهم اكتشافاته، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وهو يرصد فيه سلوك الإنسان الوجداني بين ثنائية ( العقل/ العاطفة) هذا الرصد الذي يجعلنا، وجها لوجه، أمام السؤال التالي: ما الذي يسير الإنسان: هل هو العقل أم العاطفة؟ الفكر أم التقليد؟ الاستقامة أم الهوى؟ احتل العقل في النظم المعرفية القديمة الصدارة المطلقة، متقدماً على أي نشاط إنساني روحي أو مادي، وأعطته فلسفة ( التنوير) الصولجان، وجعلت منه منقذاً للأفراد والأمم. بالإضافة إلى أن تلك النظم المعرفية، ولمئات السنين جعلت منه جوهراً ثابتاً، قابعاً في ركن من النفس أو الروح الإنسانية، يهب النور لمن له عينان. هذا المفهوم للعقل تبدد الآن، بعد فتوحات العلوم النفسية، وبعد اكتشاف أن الذي يتحكم في السلوك الوجداني والذهني للإنسان ليس هو العقل وحده، بل ان العقل لا يشكل إلا محركاً صغيراً إلى جانب المحركات الأخرى للسلوك الإنساني.. ومنها (الهوى) حسب تعبير المتنبي، ومنها ( اللا وعي) أو العقل الباطن حسب تعبير التحليل النفسي. يضاف إلى هذا أن تعريف العقل قد تغير، فليس هو جوهراً ثابتاً مستقراً في زاوية من زوايا الإنسان الداخلية، بل هو متغير، يزيد وينقص حسب السياق التربوي والثقافي في أي مجتمع، وعلى امتداد الثقافات في كل حضارة بشرية، وامتداد الزمان والمكان فيها. نعود إلى بيت المتنبي: اننا نسمع ونقرأ آراء كثيرة، والأسرع إلى الحكم على هذه الآراء بالخطأ والصواب ليس هو العقل، بل هو الهوى.. ان الهوى من القوة بحيث عبرت عنه الآية الكريمة بالإله " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) وهذا الهوى الذي هو بهذه القوة والتحكم هو الذي يسيرنا في معظم الأحيان.