نائب أمير الشرقية يطلع على مبادرات "الشؤون الإسلامية"وخطط جامعة البترول والمعادن    تقنيات ومعاهد الشرقية تستقبل 8 آلاف متدرب ومتدربة جديد    الكوهجي للتطوير العقاري تطلق "ريوان الربى" السكني في الرياض ضمن "وجهة الربى"    "سلمان للإغاثة" يدشّن برنامج نور السعودية التطوعي لمكافحة العمى في مدينة كابل بأفغانستان    نادي الطيران السعودي يعقد الاجتماع الأول للجنة التنظيمية العليا للمعرض السعودي للطيران العام "ساند آند فن 2025"    مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع 500 حقيبة إيوائية في منطقة بونر بإقليم خيبر بختون خوا بباكستان    "التخصصي" يحقق نقلة نوعية في علاج الصرع باستخدام تقنية التخطيط الكهربائي العميق للدماغ    مجلس الصحة الخليجي يصدر دليلا توعويا عن لقاح فيروس الورم الحليمي البشري    محمد بن عبادات يكتب.. حفظ الله بلاد الحرمين من كل حاسد    المملكة تعرب عن استنكارها وإدانتها الشديدين لاستمرار الانتهاكات الإسرائيلية وتوغلها داخل الأراضي السورية    المرور: توقف تمامًا عند عبور الطلاب حفاظًا على سلامتهم    اختبار دم يكشف سرطان المبايض في مراحله المبكرة    الفتح يجدد عقد النجم المغربي مراد باتنا    "فتاة الخليج" تشارك في حملة التبرع بالدم.. عطاء إنساني يواكب رؤية 2030    تراجع أسعار الدولار    تعزيزًا للعمل الاجتماعي والوقائي.. لقاء يجمع مديرَي الهلال الأحمر وهيئةالصحة العامة (وقاية) في نجران    رحيل العميد بني الدوسري.. قامة إنسانية وذاكرة من التواضع والنقاء    سمو ولي العهد.. شريان العطاء المتدفق    دفء إلكتروني    ظل الأم في حياة الرجل العاطفية    الستر.. أعظم درس في التربية    الاستيطان الإسرائيلي مشروع لنفي الآخر    عمال المحطات وحرارة الجو    مصر تدين استهداف مجمع ناصر الطبي في خان يونس    نيابة عن خادم الحرمين .. نائب أمير مكة يفتتح أعمال مؤتمر مسؤولية الجامعات في تعزيز القيم والوعي الفكري    في الشباك    مؤتمر الرياضة العالمية الجديدة 2025 يسدل الستار على نسخته الثالثة    إطلاق مبادرة بيئية هادفة.. تنمية الغطاء النباتي: إنشاء منظومة لمكافحة التصحر وزحف الرمال    لأخذ مرئيات العموم والقطاعين الحكومي والخاص.. طرح 90 مشروعاً في منصة «استطلاع»    استهداف مجمع ناصر الطبي وسط تحذيرات من كارثة.. القصف الإسرائيلي يتوسع في غزة    حذر من أن الطائفية لن تصنع دولة.. الرئيس اللبناني يدعو لتجاوز الانقسامات وتغليب المصلحة الوطنية    جدل داخلي ومخاوف من فراغ أمني.. انسحاب أمريكي وشيك من العراق    اعترافات الزوجة الثانية تنهي لغز«الموت الغامض»    أشعل النار في مقهى بسبب «المايونيز»    «الجوازات» تصدر (17,430) قراراً إدارياً بحق مخالفين    رصد للطيور والكائنات البحرية في بيئات المملكة    إستراتيجية جديد ل«هيئة التخصصات».. تمكين ممارسين صحيين منافسين عالمياً    «لا ترد ولا تستبدل» يجمع بين دينا الشربيني والسعدني    اليوم.. ختام المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور    مجسم «الدلال».. قيم أصيلة    قصر ومنزل.. بداية التعليم بالشمالية    تركز على صقل مهارات التفكير وغرس القيم.. 9900 طالب وطالبة ينتظمون في فصول موهبة    انخفاض الشكاوى المقدمة ضد المطارات السعودية    رغبة ريال وآرسنال تبعد جاكيه عن الهلال    النصر مهتم بضم الأرجنتيني بالاسيوس    رسمياً.. خالد الغامدي رئيساً للنادي الأهلي    مسؤولة صحية روسية تحذر من متحور ل«كورونا»    قلق الانفصال.. معاناة تتطلب رعاية مبكرة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض بعد مكاسب الأسبوع الماضي    القرعاوي يرسم ملامح رحلته بين الصحافة والاقتصاد    ‏يسر تحتفي بختام دورة تأهيل المغسلين وتكريم المشاركين بدعم من مؤسسة الراجحي الخيرية    5 أبواب رئيسة في المسجد الحرام تسهّل دخول وخروج ضيوف الرحمن    بين الحقيقة و التظاهر    نائب أمير منطقة جازان يعزي في وفاة شيخ شمل قبائل قوز الجعافرة    نائب أمير منطقة جازان يعزي في وفاة شيخ شمل قبائل قوز الجعافرة    المسافر سفير غير معلن لوطنه    نائب أمير منطقة مكة يستقبل مدير الدفاع المدني بالمنطقة السابق    نائب أمير مكة يؤدي صلاة الميت على والدة الأمير فهد بن مقرن بن عبدالعزيز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شجاعة العقل: المتنبي الإنساني أم المتنبي الغذامي؟
نشر في الحياة يوم 16 - 04 - 2013

أما قبلُ، ففي كتابه «العرب ظاهرة صوتية» فسَّر عبدالله القصيمي إعجابَ العرب بالمتنبي بكونه «عربياً جداً»؛ مذ كان العرب يبتهجون بصانعي الطغاة. واعتبره «إنساناً بلا أية شروط إنسانية»، ثم سأل مستنكراً: «هل كان المتنبي شاعراً عظيماً؟».
وعلى هذا (النسق!)، اعتبره عبدالله الغذامي في «النقد الثقافي» أكثر الشعراء «تمثيلاً لروح الخطاب النسقي... وليس إعجابنا به إلا استجابة نسقية غير واعية منا». وخلص إلى كونه «أقل الشعراء اهتماماً بالإنساني وتحقيراً له» (هكذا!). ثم طرح السؤال الاستنكاري نفسه الذي طرحه والده الثقافي القصيمي: «المتنبي مبدعٌ عظيم؟» وزاد، مذ كان هو الشبيه/ المختلف: «أم شحاذ عظيم...؟».
المتنبي، إذاً، شاعرٌ لا إنساني. صورة تدشنها إنشائيات القصيمي لتتلقفها ريشة الغذامي وتصبغها بطلاء اصطلاحي براق لا تفلح عدته النظرية، وهي قد جوبهت بقراءاتٍ نقدية جادة على أية حال، في إخفاء أبوة القصيمي للمتنبي في نسخته الغذامية!
أما بعدُ؛ فلهذه المقالة رؤية أخرى.
لمعرفة موقع الإنسان في الفكر الشعري عند المتنبي ينبغي الوصول إلى أسس رؤيته للعالم. رؤية العالم، بوصفها تمثُّلاً عامّاً عن الواقع، يمكن اكتشافها بتحليل نماذج مفاهيمية يثبُت تأثيرها في مجمل المدونة الشعرية.
في دراسة لكاتب هذه السطور تمّ اختيار مفهوم (العقل) أنموذجاً لمقاربة رؤية المتنبي للعالم لأسبابٍ تفصيلُها في الدراسة نفسها. المقاربة، متأسسةً على تحليل مدونة المتنبي الشعرية كاملةً، وصلت إلى نتيجة تجادل بأن (العقل) يشكل كلمة مفتاحية لرؤية المتنبي للعالم. ومن هنا نبع السؤال: ما الذي يشغل المتنبي في العقل؟ وأين يكمن الإنسان في كل هذا؟
يمكن الاحتجاج على أن العنصر الذي شغل المتنبي في العقل ليمنحه هذه المنزلة المحورية في تشييد رؤيته للعالم هو شجاعة العقل. في ضوء هذه الرؤية، يتبدى نص المتنبي غنائية عالية تمجد العقل لا من طريق التفكر المترف في مثالياته التجريدية، بل اعتماداً على مشاهد حضوره الإيجابي في الحياة الواقعية بشكلٍ يعيد للإنسان ثقته بجوهره الإنساني.
إن العقل، في رؤية المتنبي، يقوم باكتشاف مفارقات الحياة وبعلاجها وبالتكيف مع بعض صورها الحتمية. إنه فارس شجاع ينزل إلى الحياة ليضبط العلاقات ويحافظ على القيم، ولهذا يقرنه المتنبي بالشجاعة ليشكِّل اجتماعهما معاً الذروة الإنسانية:
«الرأيُ قبلَ شجاعَةِ الشجعانِ/ هيَ أوَّلٌ وَهْوَ المَحَلُّ الثاني/ فإذا هُما اجتمعا لِنَفْسٍ مُرَّةٍ/ بلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كُلَّ مَكانِ».
لقد أحب الناسُ المتنبي لا لأنه يصنع طغاتهم (كما تقول قراءات لها كامل الحق المعرفي في اجتراح تأويلاتها)، بل لأنه يحيي فيهم عناصر قوتهم؛ فهم أحرارٌ مستقبلهم رهن أيديهم إذا ما امتلكوا عقلاً شجاعاً يواجه الحياة ولا يهرب من استحقاقاتها متغنياً بقيمه المثالية. وهذا يفسر ما نقله ابن الأثير في (الوشي المرقوم) عن عبدالرحيم البيساني حينما فاوضه في سر إعجاب المصريين بالمتنبي، فقال له: «إن أبا الطيب ينطق عن خواطر الناس».
نص المتنبي يمشي مع الناس ليسرق أسئلتهم اللاذعة وليرفع خواطرهم إلى حكمة تلم جزئيات الواقع المتناثرة ثم تنعجن بنار اللغة منفتحةً انفتاحاً تأويلياً واسعاً حتى لتشمل مختلف «الأحوال الشاجية» التي تتلون بها حياة البشر. يقول حازم القرطاجني في «منهاج البلغاء»: «وكثيراً ما كان المتنبي يقصد هذا الضرب... من (الأحوال) الشاجية. فكان ذلك مما حسُن موقعه من النفوس، إذ أكثر الناس لا يخلو عن بعض هذه الأحوال».
لقد انتقل (العقل)، مع المتنبي، من رأس الإنسان إلى رأس الحياة نفسها، فتخلص من تجريديته واستحال مصباحَ نيون يكشف مفارقات اليومي ليشهد بتراجيديا الملحمة البشرية. ومن هنا تفوق شعره في الحكمة على غيره، ورأى الناس أن حِكَمَهُ رغيفُ مواساة يخرج من تنور الواقع اليومي ليغذي بنات آمالهم، وليصنع منهم ملوكاً تتحدى باللغة والمعرفة سلطة ملوك التاريخ. ألم يقل ابن رشيق في (العمدة): «وأبو الطيب كالملك الجبار»؟ وألم يقل المتنبي نفسه: «وفُؤادي من الملوكِ، وإن كانَ لساني يُرى من الشعراءِ».
لقد آمن المتنبي بالعقل لإيمانه بالإنسان، في شجاعته وكفاءته لموازاة السلطة وتجاوزها وتحديها. ولكنه إيمانٌ لم يحول شعره إلى تجريدات ذهنية أو لافتات مثالية؛ بل تحول العقل معه إلى فارس شجاع يعيش مع الناس ويأكل معهم خبز أيامهم. إنه شعر العقل الإنساني في شجاعته لا في مهزلته، في مقاومته المعرفية لسلطة المتغلب لا في ترسيخها، ولو لم يكن كذلك لاستحال محاضرةً في المنطق الصوري أو خطبةَ بلاطٍ في مفاهيم الطاعة.
* شاعر وكاتب سعودي يدرس في جامعة ييل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.