إذا كانت عاصفة الصحراء قد اعادت الكويت الشقيقة لابنائها بعد الغزو العراقي الصدامي لأراضيها.. فان عاصفة صحراء جديدة اعقبتها مباشرة ذرت غبارها على عيون لغة الضاد.. امتلأت بها صفحات صحفنا بشكل غريب ومريب يدفع الى التساؤل: هل ان لغة القرآن كانت هي المستهدفة بهذا الغزو؟ ومن المستفيد من تغييب هذه اللغة وتغريبها ان لم اقل تخريبها..! بين تجاويف وموجات هذا الكم الرهيب من الشعر الشعبي؟! ان نظرة متعمقة لهذا الكم الهائل من الشعر العامي المقبول في قليله المرفوض في معظمه والذي افردت له الصحف والمجلات مكانا رحبا واسعا الى درجة الاسهال يوجد لدى المتابع شعورا مستفزا ويدفع به الى طرح علامات استفهام؟ وتعجب! لاعتباره قضية جديدة دخلت ساحة المعركة الثقافية من اوسع مساحاتها في منازلة خطرة لثوابت لغتنا.. وفكرنا.. ومسلماتنا الفكرية.. اكثر من هذا ما يعمد اليه البعض من المثقفين في حواراتهم الاذاعية والمتلفزة.. بمنأى عن لغتهم الجميلة.. وتوظيف خطابهم بمفردات عامية قادرين على تجاوزها بامكانياتهم اللغوية الفصيحة.. أنا بهذا لا اتجنى على لغتنا العامية كاسلوب تخاطب بين الناس.. ولا على شعرنا الشعبي من خلال قناة محكومة بقناعة قيمته وجودته.. ولكن في حدود لا تسمح بطغيان طوفانه وتهديده لمسار لغتنا الحية بابداعاتها.. وما تعنيه لنا كأمة من رمز.. وتاريخ.. وفكر.. وحضارة.. ادرك ان صواتا سترتفع.. واقلاما ستندفع محتجة.. وساخطة.. كل هذا لا يعنيني لقد ألفت الكثير من الاحتجاج والهياج دون تراجع عن فكرة أؤمن بها عن قناعة ويأباها غيري.. ولأن لغتنا.. وضمير امتنا.. وخطاب تاريخنا في مهب عاصفة جديدة اخشى من تداعياتها على ثقافة جيلنا جاءت المصارحة صارخة بان.. أوقفوا هذا الطوفان من الشعر الشعبي.. واستخلصوا منه جيده دون اسراف.. وأعطوا له حجمه كرافد من ادوات التعبير يصب في مجرى النهر الخالد نهر لغة القرآن.. ولكن دون مزايدة.. ودون فتح الباب لمن هب ودب.. ودون تضخيم في العناوين واسفاف في المضامين.. واسراف في سيل الدواوين.. واذا ما اردت التعرف على امة تطلع الى ثوابتها وتمسكها بمفردات لغة تاريخها.. ولغتنا الفصحى أولى تلك الثوابت.. والأولى بالحماية من مخاطر التغريب.. او التخريب.. او الالهاء بطرح شعر شعبي متدن في لغته ومضامينه ما كان له ان يطرح الا بقدر ما تجيزه حاسة الذوق وسلامة الفكرة ونضوج التجربة.