كان يأكل عدسا فقط في وجباته الثلاث على مدى سنوات، وفجأة قرر أن يحذف طبق العدس تقشفا، مكتفيا بكسرة يابسة ، هذا حال جمعية الثقافة والفنون، التي قررت التقشف بعد سنينها العجاف في صناعة المشهد. المتتبع لتاريخ الفنون السعودية في مجملها يجدها من أكثر القطاعات خمولا واستسلاما وركونا إلى الوداعة، فلا استطاعت أن تؤسس لعمل ولا لثقافة مسرحية ولا فنية حقيقية تناقش قضايا المجتمع وتستطيع المنافسة، ولا نشر ثقافة الفنون ورسالتها المؤثرة، ولا أن تمهد الطريق الشائكة لافتتاح معاهد وأكاديميات فنية تهتم بالمسرح والموسيقى والدراما والفنون الجميلة بأنواعها وتمفصلاتها وتحديثاتها المستمرة. يعتمد المبدع على قدراته الخاصة في صقل مواهبه، وتقديم إبداعاته، فالتشكيليون والفوتوغرافيون رغم انضوائهم تحت مسمى جمعيات مفلسة نحتوا طريقهم في الحياة من خلال التكتلات الفنية وإقامة معارض فنية في مجتمع لا يؤمن بقيمة الفن الذي يقدمونه إلا القلة القليلة في مدن محددة، يظل المبدع يعرض عمله ليشتري بثمنه خامات أعماله القادمة وبالكاد يجد له مشتريا ، ليس لأنه لا يستحق، بل لأن الثقافة الفنية بمجملها غائبة على الغالب عن ذهنية المجتمع، وما يزال الكثيرون يسمونها ( شخبطة ). أما الموسيقيون فيحتاجون إلى تسول أوقات المبدعين في مجالهم ليتعلموا منهم، أو ليعرضوا عليهم ما يبدعونه في مراحلهم الأولى، وقلة منهم يستطيعون السفر إلى الخارج لصقل قدراتهم. والممثلون ليسوا أحسن حالا في ظل غياب التوجيه، والتكتلات الفنية التي لا تحتمل دخول وجوه جديدة وإن دخل بعضهم ظلّ كومبارسا حتى يشيب مفرقه. كذلك نلاحظ الآن أن المسرح شبه معطل، وأن الوجوه المسرحية غائبة عن ذاكرة المجتمع، في الوقت الذي ينتظر الناس من أبي الفنون حراكا يتواءم والمرحلة، والتطورات الطارئة على المجتمع، والدراما تراوح مكانها في خانة التراجيديا المملة، أما السينما فجنين مجمد في أدمغة الفنانين، جمده الخوف اللامبرر في نفوس مسؤولي الثقافة والفنون، ومن الفنانين أنفسهم، وزاد التقشف طويل الأمد درجة التجميد خانتين تحت الصفر. جمود الثقافة والفنون، وتبعثر جهود الفنانين ، ولهثهم خلف المدارس الفنية وانضوائهم تحت لواء التجريب والغموض، أغلق عليهم باب النخبوية في مجتمع لا يعرف غالبيته من المسرح إلا زعيق سعيد صالح وضحكات عادل إمام، زادت من قوة المناوئين للفن حتى أجهضوا المسرح المدرسي، أو شوهوه بعروضهم البائسة، واستطاعوا تهميش المسرح في ذهنية المجتمع حتى صار شيئا عابرا عاديا لا يعني لهم شيئا، وصار ذكر السينما شبحا يقض مضاجع العامة. ولكيلا أظلم المجتمع الذي انفتح كثيرٌ من أبنائه الآن على كافة الفنون من خلال السفر أو الإنترنت، لكنه ما يزال على صورته الأولى في عقول الفنانين، ولمست هذه الرهبة في ندوة عقدها مؤتمر الأدباء الرابع للمسرحيين الذين علق بعضهم تأخر المسرح السعودي على شماعة المجتمع المحافظ . في نظري غير المحيط إن بناء المجتمع الفني يحتاج إلى دعم سخي من الدولة، بعد اعتماد استراتيجية عليا تنظم هذا العمل، تفتح له الصروح العلمية المتخصصة التابعة للجمعية، والأقسام المتخصصة في كليات الآداب، والمعاهد والأكاديميات الأهلية، وتعطيه المساحة الإعلامية الحقيقية التي تجعل المشاهد يتابع دقائق الإبداعات، وألا تبقى جمعية الثقافة والفنون فقط مظلة لتسيير الأعمال، واستخراج التراخيص، فبلادنا الآن رائدة سياسيا ، ويجب أن تكون كذلك ثقافيا وفنيا . ناي : " لدينا المال والرجال، وتنام الإرادة "
أحمد الهلالي رابط الخبر بصحيفة الوئام: كلية الموسيقا والسينما السعودية