كان الأمر في شارع "الحمرا" أمس للغة العربية وحدها وللمدافعين عنها والمتمسكين بها بعد سنوات طويلة من غزو اللغات الأجنبية لجسد وقلب الشارع – الرمز- في العاصمة اللبنانية بيروت. فمع ساعات الصباح الباكرة تحول شعار"لا تقتل لغتك" إلى فعل حمله آلاف الأطفال والشبان ومئات العائلات التي تدفقت إلى الشارع ومتفرعاته للمشاركة في إطار مهرجان اللغة العربية الذي نظمته مؤسسة الفكر العربي المعاصر بالتعاون مع جمعية "فعل أمر". وما كان منتظرا حصوله تحول إلى ظاهرة واسعة النطاق حيث استقطب المهرجان حشودا كبيرة ومن مختلف الأعمار والاتجاهات والانتماءات، ولفت النظر قدوم عائلات بأكملها للمشاركة، فيما شكل تلامذة المدارس العمود الفقري للنشاطات الواسعة والمتعددة التي غطت مساحة كبيرة من الشارع الذي منع وصول السيارات إليه تسهيلا لتنقل المشاركين وإقامة العروض الثقافية والفنية. ولفت أيضا أن المواطنين اللبنانيين إضافة إلى عائلات خليجية وعربية متواجدة في بيروت، كانوا بانتظار المهرجان للمشاركة والتعبير عن عمق التمسك باللغة العربية وفي المقابل التأكيد على شعورهم بالخطر الذي مثله هذا الانتشار الواسع للغات الأجنبية وتحولها إلى لغة تعبير وحيدة. وقالت عبير زهرة المشاركة في معرض فني إنها كانت تتوق لمثل هذا المهرجان لإخراج ما في صدرها من غضب على تغييب اللغة العربية وتجاهلها من قبل أهلها. وفي جنبات المهرجان التقينا بنساء أجنبيات متزوجات من لبنانيين جئن للمشاركة في المهرجان. وتقول المصورة الفوتوجرافية كساندرا ماتي عن مشاركتها بمجموعة صور في ناصية الشارع إنها تحب اللغة العربية وقد تعودت عليها بواسطة زوجها العربي، وهي باتت تتقن العديد من الجمل والتعابير التي ترى فيها جمالا وقوة. أما الطبيبة فاتن فقد جاءت مع أولادها الثلاثة لإخراجهم من شرنقة اللغة الأجنبية التي يتحدثون بها طوال اليوم. وتقول: أولادي في مدرسة إنجليزية ومستواهم في اللغة العربية ضعيف جدا وهم باتوا يكرهون اللغة العربية. وتضيف : أعجبتني فكرة المهرجان، وأرى أنه يجب أن يتكرر بأشكال مختلفة ويُنقل إلى المدارس والمؤسسات ويتحول إلى تظاهرة دائمة لنغير موقف أولادنا من لغتهم الأم. وفي الاتجاه نفسه يعبر العديد من المشاركين عن فرحتهم بمضمون المهرجان وأسلوب تقديمه للغة العربية. وأكثر ما لفت النظر هو "سباق الأحرف" الذي انطلق باكرا حيث حَملَ بضع عشرات من الأطفال لافتات صغيرة كتب عليها حرف واحد من الأحرف العربية وتسابقوا ركضا في طول الشارع لمعرفة أي من الحروف هو الأقوى. وكذلك صدحت اللغة العربية في جميع اتجاهات الشارع مسرحيات بالعربية وغناء وأناشيد ساهم مسرح المدينة في احتضانها، فيما كان معرض لكتب الأطفال، في ساحة أحد مواقف السيارات، يفتح أمام مئات الباحثين عن عنوان هنا وعنوان هناك في عالم الكتابة للطفل. وامتلأت أرصفة الشارع بالنشاطات من معارض الرسم والتصوير الفوتوجرافي إلى عرض مسرح الدمى والخط العربي وصولا إلى العروض الموسيقية والغنائية، ولفت في هذا المجال تعلق العديد من الأطفال بالموسيقى العربية وخصوصا التراثية حيث عزف بعضهم على آلة العود وغنى آخرون مقاطع من الطرب العربي الأصيل. وفي سؤالنا للأمين العام لمؤسسة فكر الدكتور عبدالمنعم عن المتوخى من أنشطة المهرجان قال إن الهدف هو نشر الوعي بأهمية القراءة والكتاب واللغة العربية، وإثارة انتباه المجتمع لأهمية إعادة الاعتبار للغة العربية والسعي إلى دعمها بكافة السبل. وأضاف: المهرجان يقوم على فكرة أن يكون ملتقى لهؤلاء الأطفال لمزيد من التعارف والتواصل. ويشير إلى أن المهرجان يأتي في إطار تحقيق أحد الأهداف الأساسية لمؤسسة فكر التي أعلن عنها الأمير خالد الفيصل وهي تنمية الاعتزاز بثوابت الأمة. ولا شك أن اللغة العربية رمز لهوية الأمة وهي في قمة الأولويات. ويقول ردا على سؤال إن مؤسسة الفكر العربي تسعى لأن تلعب دور المحرك والمحرض والمحفز لكي تلقي الضوء على قضايا وتحديات اللغة العربية مثل قضية المناهج التعليمية وقضية اللغة في المؤسسات الإعلامية وأيضا قضية البحث العلمي حيث نرى في المؤسسات الأجنبية حركة تحديث سنوية للمعاجم والقواميس بعكس ما يحصل عندنا، كما أن فكرة قواميس ومعاجم للناشئة والأطفال موجودة في المجتمعات الأخرى وهذا مفقود في مجتمعاتنا. ونحن نود ابتداء من هذا المهرجان أن نلقي الضوء على حالة اللغة العربية في مجتمعاتنا لكي نحاول مع كل الأطراف المشاركة أن نصلح أمرها ونرفع من شأنها، وهنا نركز على أن قضية اللغة العربية أكبر من أن تحتكرها جهة ما أو مؤسسة ما. وفي ساحة المهرجان التقينا بالمستشارة الدائمة لمشروع عربي 21 هنادا طه التي شرحت لنا أن المهرجان الحالي ينضوي في إطار مشروع عربي 21 ، وهو الجزء الأول من مشروع يهدف إلى تغيير اتجاهات الأطفال والناشئة تجاه اللغة العربية وتغيير طرائق تعلم اللغة العربية من خلال الأبحاث والدراسات العلمية للوصول إلى فهم أفضل السبل لتعليم العربية. وتضيف: مشروع عربي 21 الذي تنفذه مؤسسة الفكر العربي على مدى 4 سنوات يهدف إلى إحداث تغيير جذري في موضوع اللغة العربية. وردا على سؤال عن المظاهر الفلكلورية للمهرجان قالت إن ما نريده هو تغيير أسلوب النظر للغة العربية وتبيان أن اللغة ممتعة ونستطيع أن نلعب ونقرأ ونمثل ونحكي ونفكر بواسطتها. ولاستقطاب الأطفال والأهالي كان هذا المهرجان بهذا الشكل.