عمرو الغزالي الفساد مصدر فَسَدَ يفْسُدُ فَسادًا، وهو ضد الإصلاح. قال الليث: الفساد نقيض الإصلاح. وقال الراغب: الفساد خروج الشيء عن الاعتدال سواء أكان الخروج عليه قليلا أو كثيراً، وكل اعتداء على الدين، أو العقل، أو المال، أو العرض، أو النفس هو إفساد. وأما الإفساد: فقد ذكر أهل العلم: إنه إخراج الشيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح. وضح الإسلام خطورة ظاهرة الفساد والتَّمادي فيها على حساب الإنسان والحياة، وحثَّنا على طلب الفضيلة والخير، بما يحقّق الإصلاح والتّوازن المطلوب لإعمار الأرض. نجد أن الفساد كان الانطباع الأول عند الملائكة في خلق الإنسان، وذلك قولهم: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)، هناك شبه تلازم في القرآن الكريم بين مصطلح (الفساد) وبين كلمة (الأرض)، فسوف نجد أن الكتاب الحكيم استخدم كلمة (الفساد) وتصريفاتها بحدود خمسين مرة، وفي جميع هذه الاستخدامات كان يرد اسم الأرض أو إشارة إليها. ويتمثل الفساد في الحياة العامة في استخدام السلطة العامة من أجل كسب أو ربح شخص أو من أجل تحقيق هيبة أو مكانة اجتماعية، أو تحقيق منفعة عن طريق مخالفة القانون أو مخالفة التشريع، ويعتبر هذا السلوك غير قانوني وغير مشروع. إن مبدأ «من أين يا هذا لك هذا؟» مبدأ تراثي خالد، انطلق منذ عهد الخلفاء الراشدين حين علم الخليفة عمر بن الخطاب أن لابنه تجارة في السوق، استدعاه وسأله «من أين لك هذا؟» ولما أعياه الجواب قال له: لو لم تكن ابن أمير المؤمنين هل بلغتها؟ أعدها إلى بيت مال المسلمين فهم أولى بها، وكذلك حين سئل خالد بن الوليد عن أملاكه، وكذلك الخليفة عمر بن الخطاب على المنبر حين قال: أيها الناس اسمعوا وأطيعوا، قال له سلمان الفارسي: لا سمعاً ولا طاعة! قال عمر ولمَ يا سلمان؟ قال: أرى عليك ثوباً أطول من ثيابنا؟ من أين لك هذا؟ أحال عمر الجواب إلى ابنه وكان حاضراً، الذي قال: هو من بقية ثوبي لأن ثوب أبي كان قصيراً فأعطيته ما يستره. يظل الفساد بشتى أطيافه أحد معاول الهدم التي تواجه عمليات التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛ ولهذا فأحسن وسيلة لمحاربة الفساد هي أن تكون هنالك خطة إستراتيجية شاملة لإعادة العدل بمختلف صوره في المجتمع من القمة إلى القاعدة، ومن القاعدة إلى القمة، وإنهاء الظلم وأشكال الاستغلال في كل المجتمعات من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة، وقد نجد أن مبدأ «من أين لك هذا» بداية في تقليل الفساد.