في أعماق النفس حين تهمل مراقبتها وتتراكم فيها مشاعر الألم والخذلان والغيرة، يتسلل البغض كدخان كثيف لا يرى في البداية، لكنه يخنق الأنفاس ببطء. لا يطرق الباب حين يدخل، بل يتسلل خلسة، يتغذى على الصمت، ويكبر في الزوايا المعتمة من القلب، حتى يتحول إلى جدار يفصل المرء عن الحياة ومن حوله. البغض ليس كراهية عادية، بل هو انطفاء داخلي، وانكماش الروح على نفسها، هو ذاك الثقل الذي يسكن القلب فيجعل صاحبه يرى العالم بلون رمادي، لا يفرح لفرح أحد، ولا يسعد لنجاح قريب، يضيق صدره بما لا يضيق به صدر سواه، ويتألم حين يرى الآخرين في حال من الطمأنينة لا يملكها هو. هو المرآة المشوهة التي تعكس العالم بأكمله كعدو، وتظهر كل النيات سوداء، حتى لو كانت بيضاء نقية. القلوب التي تسمح للبغض أن يسكن فيها، تفقد قدرتها على الصفح، على الاحتواء، على الحب. تصبح سجينة لصراعات داخلية لا تنتهي، وكلما حاولت أن تتنفس، اجتاحتها موجات الغضب والحقد والذكرى المؤلمة. والبغض لا يقف عند حدود صاحبه، بل يتسرب إلى من حوله، يفسد علاقاته، ويشوه ملامحه، ويجعله غريبًا حتى في أقرب دوائره. وما إن يستقر البغض في الروح، حتى يبدأ الإنسان بفقدان أجمل ما فيه: سكينة القلب، وبساطة المشاعر، وصدق النية، وصفاء النظر إلى من حوله. فيعيش حياة متوترة، متحفزة، يتوقع الخيانة من كل يد ممدودة، ويرى في كل كلمة طعنة خفية. يعادي بلا سبب، ويتوتر بلا مبرر، ويخسر أشياء ثمينة دون أن يدرك أنها فقدت بسبب ما تسرب إلى قلبه دون إذن أو وعي. ولأن البغض نار خفية لا ترى، فإن علاجه لا يكون إلا من الداخل. لا يطفأ إلا بالصفح، ولا يهزم إلا بالتسامح، ولا يقتلع إلا حين يعترف المرء أنه أخطأ حين سمح له بالدخول. يحتاج إلى شجاعة، لا شجاعة المواجهة مع الآخرين، بل مواجهة النفس، والاعتراف بثقل ما تحمله، ثم القرار الجاد بالتخلي عنه، لا من أجل الآخرين، بل من أجل نفسه. وتمثل وتحصن بقول الحبيب عليه الصلاة والسلام حين قال لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد اللّه إخوانًا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث البغض عدو خفي، لا يعلن عن نفسه، لكنه يسرق العمر في صمت، ومن أراد السلام الحقيقي، فليفتش في قلبه، ولينقّيه من هذا الداء قبل أن يطفئ ما تبقى فيه من نور.