المصالح الوطنية السعودية    الخلاف يزداد بين برشلونة وحارسه شتيغن    "ورث" يختتم برنامجًا لتأهيل كوادر وطنية في توثيق التراث    النفط يتكبد خسارة أسبوعية حادة    سفير جمهورية مالطا لدي المملكة يزور قرية جازان التراثية    سحب ورياح نشطة على اجزاء من عدة مناطق بالمملكة    استقبال البلاغات على مدار الساعة بكل اللغات    الربيعة: تطبيق "نسك" متاح مجانًا دون استهلاك بيانات الإنترنت    ترمب يعلن عن عقد قمة سلام تاريخية بين أرمينيا وأذربيجان    أنواع فيتامين D وجرعاته الصحيحة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    %83 من القراء هجروا المجلات    النصر يكسب ودية "رايو آفي" البرتغالي برباعية    عرض صقر يقطع أكثر من 600 كيلومتر في 8 ساعات    الأسبوع الخامس يعيد رسم ملامح المنافسة في كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    ضبط مواطن لارتكابه مخالفة رعي في "محمية الإمام تركي الملكية"    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    «المساحة الجيولوجية»: رصد زلزال في الإمارات بقوة 3.4 درجات    ترامب: مستعد للقاء بوتين حتى لو رفض الأخير لقاء زيلينسكي    تشيلسي يعلن إصابة لاعبه بقطع في الرباط الصليبي    ريال مدريد يواصل مقاطعته لحفل الكرة الذهبية    (عشان نصور،،،،،،!)    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    مفاجأة في خطبة الجمعة    البرازيل والهند تتوافقان على "الدفاع عن التعددية" في وجه رسوم ترمب    سبعة آلاف خطوة تعزز الصحة    بهدف تطوير الخدمات الرقمية وتعزيز جودة الحياة.. أمانة منطقة عسير توقّع مذكرة تفاهم مع "بلدي" بحضور وزير البلديات والإسكان    أمانة منطقة عسير توقّع اتفاقية تعاون مع جامعة الملك خالد بحضور وزير البلديات والإسكان    جمعية التوفيق للأيتام تنظم حفل تعارف للأيتام    نائب وزير الحرس الوطني يطلع على برامج الإرشاد والتوجيه لتعزيز الوعي الديني والفكري    منتخب الناشئات تحت 17 عاماً يشارك في تصفيات كأس آسيا 2026    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدرب    رئيس وزراء موريتانيا يغادر المدينة المنورة    أمير جازان يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    «تصميم الحياة»... خارطة طريق لتفادي التيه الذهني والمهني    تشكيل الهلال المتوقع بعد وصول نونيز    العطش يلتحق بالجوع في غزة وتحذيرات من توسيع إسرائيل عملياتها    موسكو تدرس تقديم تنازلات لترمب بشأن أوكرانيا    59% من منشآت القطاع الخاص دربت موظفيها على الحاسب    قوى و مساند تحققان نتائج متقدمة في مؤشر نضج التجربة الرقمية لعام 2025    ديوان المظالم يفتح باب التقديم على التدريب التعاوني لطلبة الجامعات والمعاهد السعودية    المجلس الاستشاري لمركز صحي المرابي يناقش احتياجات الأهالي مع تجمع جازان الصحي لتعزيز الخدمات الطبية    2 مليون دولار لتأمين «ابتسامة» نجمة هوليود    أم ومعلمة تقتحمان مدرسة لسرقة «امتحانات»    استهداف (أبو سلة) بطائرات مسيّرة.. اشتباكات بين الجيش اللبناني ومطلوبين في بعلبك    طهران تعدم متهماً بالتجسس لصالح إسرائيل    البدير في ماليزيا لتعزيز رسالة التسامح والاعتدال    احتفال الفرا وعمران    الأرصاد: أمطار متفرقة حتى منتصف أغسطس    فتح باب التقديم لدعم المشاريع السينمائية    إنجاز طبي في الأحساء.. زراعة منظم ضربات قلب لاسلكي لمريض    مفردات من قلب الجنوب 9    النائب العام يستقبل سفير جمهورية مصر لدى المملكة    فريق سفراء الإعلام والتطوع" يزور مركز هيئة التراث بجازان    الأمير فهد بن سلطان يطلع على نتائج القبول بجامعة تبوك.    مركزي جازان ينجح في إزالة ثلاث عقد في الغدة الدرقية الحميدة بالتردد الحراري دون تدخل جراحي    محافظ تيماء يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة تبوك    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة جواهر بنت مساعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرجل في مجتمعنا يحتاج إلى التحرر من قيوده
نشر في الوطن يوم 13 - 06 - 2016


بيوتنا السعودية أسوار وملاحق
الكاتبة :لمياء السويلم
كاتبة وناقدة اجتماعية
"أسوار بيوتنا الخارجية تبدو أعلى من أسوار القلاع، وأقفال أبوابنا أكثر إحكاماً من أقفال السجون، نوافذنا المرتفعة تحجبنا عن الشارع والشمس والسماء، وأحواشنا تتسع كل ما زادت أموالنا، لكن أنفسنا تضيق كلما تقدم العمر".
يستعرض الكتاب كثيراً من صور الحياة، متأملاً بعين الباحث عدة زوايا اجتماعية للبيوت السعودية.
ليس من السهل على أحدنا أن يبوح بأسرار بيته، همومه ومشاكله الحزينة، غالبا ينتابنا شعور بالخجل عندما نضطر إلى الحديث عن مشاكل بيوتنا، ورغم ذلك فإننا كثيرا ما نسمع بقصص وحكايا بيوت سعودية نكاد لا نصدقها، وفي كل مرة نقرأ أو نسمع بقصص الظلم والقهر والحزن سنحاول عدم تصديقها أو تكذيب تفاصيلها، أما عندما نتأكد من حقيقتها فسنرد بسرعة وبكل ثقة أنها مجرد قصص فردية، وأنه ليس من المقبول تعميمها على بيوتنا السعودية.
ما زال مجتمعنا يخشى الاعتراف بحجم هذه المشاكل في البيوت، نحن في بيوتنا السعودية نأخذ موقفا دفاعيا متعصبا أمام كل نقد يوجه لبيوتنا، لآبائنا وأمهاتنا وطرق تربيتهم، نرد على كل محاولات الاعتراف بالمشكلة على أنها مشاكل خاصة، ولا يجوز اعتبارها مشكلة الجميع، فهل حقا نحن لا نعاني كما عانى أصحاب القصص المعروفة في مجتمعنا، هل حقا نشعر بأن الضرب والظلم والتربية القاسية مجرد حالات محدودة لا تشبهنا جميعا، وهل نظن أن الأب الذي يضرب ابنه حد القتل يختلف عن الضرب الذي يبقى فيه الضحية من أبنائنا حيا، هل نشعر حقا بفرق حقيقي بين اليأس الذي يدفع الابنة للهروب من أهلها وبين اليأس الذي يجعل من ابنة في البيت المجاور مريضة اكتئاب مزمن!
أول الكلام
إذا فرت الأم من بيتها لتنام على عتبة باب الشرطة، وإذا ما اختبأت البنت في حجرة وأحكمت قفلها، إذا ما هجر الولد أهله وسكن في غرفة إضافية في بيت صديق، إذا ما هرب الأب من ماضيه إلى زوجة وأبناء جدد يلغي بهم حسابه القديم مع نفسه، وإذا ما اجتمعوا جميعهم تحت سقف واحد وبين أسوار شاهقة تحجبهم عن الحياة، هل سيكون هذا بيتا ويكونون هم عائلة؟ أو سيكون بيتهم مجرد حبسٍ اضطراريٍّ يحلم بلحظة هرب، طلاق، زواج، ابتعاث، أو موت.
عندما ترن كلمة بيت في مسمع الإنسان يفترض أن تكون الصور عن العائلة والمشاعر الدافئة والإحساس بالأمان والسقف المطمئن، فكم من هذه الصور تعبر خاطر ابنة أو ابن سعودي! أم أو أب سعودي؟ بيوتنا التي تبدو دوماً محكمة في علاقاتها، مترابطة لا يخوض الشيطان فيها، متراصة في بنيانها النفسي، تتداعى كل أطرافها إذا اشتكى أي عضو منها، هل هي بيوت آمنة من الحقد والظلم والمزايدات والاعتداء والعنف بكل أشكاله، هل هي بيوت عامرة بالحب والانتماء والرحمة والوفاء؟ أم هي بيوت محكومة بالسلطة والخوف والمذلة وإرهاب النفس؟
أوهام
ما هي الأوهام التي نلون بها بيوتنا لندعي أنها بيوت لا ممالك يحكم فيها القوي الضعيف والغني الفقير والرجل المرأة والظالم الضحية، لماذا لا يحتاج صديقان لأكثر من زيارة واحدة ليكتشفا أن الورطة واحدة، وأن الآباء مهما تغيرت أسماؤهم يرثون الوجه والسلطة والقسوة والجهل نفسه بمعنى الأبوة؟ لماذا لا يلزم لبناتنا إلا ليلة وحيدة مع زوجها، لتعرف أن أخاها وأباها، ابن عمها وابن الجيران الذي حلمت به وزفت لسواه، لا يختلفون عن زوجها لا في نظرتهم لها ولا في مشروعهم معها، ولا في فكرتهم عن وجودها ككائن ضعيف قاصر في فكره متطرف في شعوره يحتاج رعايتهم، لا ينمو إلا في ظلهم ولا تستقيم أخلاقه إلا بحكمهم وقيدهم.
لماذا يبدو مجتمعنا كعائلة كبيرة جداً تحمل الصفات نفسها ولا تختلف إلا بالأسماء، لماذا نتوارث الأفكار ذاتها عن دور الرجل الرب في بيته السلطان على نسائه الحاكم في أبنائه، دور الأم الخانعة المستضعفة العاجزة عن وصف عنوان منزلها لعامل البقالة، والفاشلة في كل الشؤون إلا من شأن الولادة والتربية، لماذا نتوارث جميعنا سراً وجهراً، إيمانا وخوفاً هذه الصورة المشوهة عن حقيقة الإنسان الأب والأم، الابن والابنة، نتبادل الخبرات في كيف ندير مخاوفنا وعجزنا عن التغيير، نتبادل الوصايا حول كيف نقمع كل أسئلة أبنائنا وبناتنا عن حقهم في بيوت آمنة حرة بلا سقوف وبلا مظالم موزعة بالتساوي، لماذا نناصح بعضنا بالصمت عن كل سؤال وحلم بالعدل ينبت في قلوب أولادنا وبناتنا، نقتص كل جذر حر من الخوف بتسليط كل قناعاتنا وسلطاتنا القاسية والجاهلة عليه!
كيف تحولت ملايين البيوت في مجتمعنا إلى بيت واحد كبير يزيد كل يوم عدد أبنائه وبناته، وكل يوم ينقص فيه عدد الإنسان الحر؟.
من هو الرجل؟
هل يحتاج الرجل إلى تعريف، بالطبع لا، فالكل يعرف من هو الرجل ومن هي المرأة، لكن في الحقيقة هذه أكبر مشكلة تواجه مجتمعنا، وهي اعتقادنا أننا نعرف جيداً من هم الرجال ومن هم النساء، نحن عندما نقول إننا نعرف من هو الرجل نعني أننا لا نحتاج أن نفكر فيه، لا نحتاج أن نفكر ما هو شكل الرجل وما هو كلامه وما هي وظائفه وما هي حقوقه وما هي واجباته، ما هي عاطفته وما هي ذنوبه وما هو عطاؤه.
يبدو ظاهرياً أن الرجل في مجتمعنا لا يعاني من الظلم شيئاً كما تعانيه المرأة، فهو حر نفسه لا يشترط عليه القانون أي قيود، وغالباً يقف القضاء معه في خلافاته مع المرأة، الرجل لا يعاني من ولي أمر يتحكم في شؤون حياته، هو يملك قراره في الدراسة والعمل والسفر والزواج والأبوة والزواج الثاني والطلاق والحضانة، يملك الحق في القبول والرفض ليس في شؤونه الشخصية فقط، بل أيضاً هو يملك حق الرضا والمنع في كل شؤون المرأة.
تبدو صورة الرجل وكأنه يملك كل شيء ولا مجال أن يعاني أي نوع من المظالم التي تعانيها المرأة المحرومة من الدراسة والعمل والسفر والزواج والأمومة والطلاق والحضانة وقيادة السيارة وإجراء عملية جراحية وأداء عمرة أو حج إلا بإذن رجل.
هذه الصورة الظاهرة للرجل تحمل في باطنها صورة أخرى مليئة بالحقائق المسكوت عنها، في السعودية سلطة اجتماعية قاسية تتكون من التقاليد والأعراف، يعاني منها الرجل منذ سنوات المراهقة الأولى، هنا شباب في أول أعمارهم يعانون من شدة تسلط آبائهم عليهم تماماً كما تعانيه أخواتهم البنات، هنا شباب يافع تحرمهم عائلاتهم من أبسط شؤون حياتهم، حقهم في الاستقلال الشخصي، حقهم في اختيار تخصصهم الدراسي، ذائقتهم في الثياب، اختيار شريكات حياته، وتحرمهم من حقهم في تغيير قناعاتهم والتعبير عن رأيهم، كل هذا وأكثر يعانيه الشباب، هم هنا يخافون آباءهم وعمومتهم وأخوالهم تماماً كما تخاف أي فتاة من سلطة والدها أو إخوتها.
عباءة الرجل
ليست وحدها المرأة مجبرة على لبس عباءة في السعودية، الرجل أيضاً يرتدي شكلاً آخر من العباءة، بمعنى آخر هو أيضاً مجبر على لباس معين أو الظهور بشكل محدد، في بيوتنا هناك شباب يافع في أول عمره لا يحلم إلا بأن يلبس شورتاً بدلا من الثوب، لا أحد في العالم يمكن أن يصدق أن هناك طفلاً في الرابعة عشرة يحلم بأن يلبس شورتاً، ليس لأنه لا يملك المال ليشتريه، بل لأنه من العيب عليه كرجل أن يخرج بين الناس مكشوف الساقين، المشكلة أن الكثير من السعوديين أيضاً لا يصدق أنه هذا الفتى أحد أبنائهم، وأن البيوت التي تفرض على أبنائها لباساً معيناً ليست قليلة.
تحرير الرجل
لقد أصبحت صورة الرجل اليوم أكثر وضوحاً من السابق، فهو ليس ملكاً على الجميع بل مجرد إنسان يقع تحت الكثير من القيود الاجتماعية، ويتحمل من الأعباء النفسية ما يفوق طاقته وقدرته، الرجال في مجتمعنا يعانون من ثقافة المجتمع بما لا يقل عن معاناة النساء، التقاليد والأعراف القاسية فرضت ولا تزال تفرض عليهم أحكاماً جاهلة يتم تقييمهم من ورائها، الرجولة أصبحت كلمة يتم العبث والتلاعب بها، أي رجل يحاول أن يخلق تغييراً في حياته وفي عائلته، سيتم ابتزازه من خلال القدح في رجولته، الشتائم القذرة التي يرميها الرجال على بعضهم البعض، ويعتقد غالبيتهم أن النساء لا يعرفونها ولا يدركون تأثيرها القاسي عليهم، هي في الحقيقة مجرد كلمات لم تملك هذه القيمة التي يخشونها إلا لأنهم يخشونها، أي أن توجس وخوف الرجال من هذه المفردات التي تقيم الرجولة هي في الحقيقة لا تملك أي قيمة إلا إذا كان الرجل يؤمن بمعناها، أما إذا كانت بالنسبة للرجل مجرد كلمات فارغة لا يعترف بمعناها ولا يقتنع بها، فسوف لن تشكل عليه هذا الضغط، وسوف لن يشعر أنه محكوم بها فيخشى ويتوجس من أن يختلف اختلافاً جذرياً عن الآخرين.
نعم الرجل يحتاج أن يتحرر أيضاً، فالرجل الإنسان في مجتمعنا أشد الجميع حاجة للتحرر من الماضي ومن الصور الجاهلة ومن القيود القاسية، لأنه حمل عبء أن يكون ظالماً سنين طويلة، وهو يكتشف اليوم أنه يريد التحرر من هذا العبء، هو يريد أن يكون مجرد إنسان لا حاكما ولا وصيا، هو يريد أن يصبح أباً لأبنائه فقط لا سلطاناً عليهم، وزوجاً لزوجته لا وصياً عليها، وأن يظل دوماً ابناً لوالديه، الرجل يتحرر اليوم من إرث ثقيل تحمل وزره، ومن حقه اليوم أن يأخذ الفرصة كاملة لتغيير نفسه وتحريرها.
الآباء الصغار
تؤكد العلوم النفسية على أن نفسية الأطفال لا تختلف بناءً على جنسهم، فالإناث والذكور لا يختلفون في سماتهم النفسية في مرحلة الطفولة، واختلاف الميول بين الأولاد والبنات هي نتيجة ثقافية ترتبط بالبيئة الاجتماعية، وليست نتيجة اختلاف بيولوجي يولد به الإنسان، وفي مجتمعنا تتفاوت الأسر في تربية أولادها الذكور، البعض يريد تربية ابنه على القسوة والشراسة حتى يساعده على تكوين شخصيته كرجل، البعض الآخر لا يحرص على القسوة لأنه لا يراها سمة رجولية، لكن غالبية المجتمع السعودي لديه صورة واحدة عن الرجل، تنعكس دائماً على طريقة تربية الأبناء الذكور، صورة الرجل ولي الأمر ورب البيت والمسؤول عن كل النساء داخله، والأطفال الذين يتمّ توجيههم بشكل مباشر لهذه المسؤولية، يتلقون رسائل سلبية جداً عن دورهم في الحياة ، فالولد ابن الثانية عشرة عندما يطلب منه مرافقة أمه أو أخواته في مشاويرهم، ولا يسمح لأخته أن تخرج وحيدة من دونه عند غياب الأب، يتعلم أنه هو بديل الأب، هو الذي يعوض مكانه، فعندما يرى والده يتسلط على أخواته يشعر أنه هو نفسه يجب أيضاً أن يتسلط عليهن، وعندما يسمع والده يكرر نداءه له بأنه ابنه الرجل، سينسى أنه ولدٌ وأنه حتى الثامنة عشرة من عمره سيتم علاجه في طب الأطفال، يفهم الطفل الإشارات التي تعلي من شأنه وتعينه وكيلاً ومسؤولاً عن البنات، الإشارات البسيطة التي تسمح له دون أخواته أن يفتح الباب لعامل المطعم، والتي تعفيه عن تجهيز سفرة الغداء ولا تُعفى منها أخته الصغرى ولا الكبرى، الإشارة التي تصل إلى الطفل الولد بأنه لا ينتمي لشؤون البيت ولا خدمته، بل هو ينتمي إلى سلطته وإدارته فقط، فهو يوكل بالأعمال التي لا يسمح لأخواته بفعلها، ويعفى من الأعمال التي يلزمن بها، هذا جميعه يكرس في الابن شعوراً منتفخاً مبكراً جداً، سيعاني منه عندما يكبر ويدرك أنه ليس إلا رجلاً لا رباً، وأن أخواته وأمه ليسوا إلا نساءً لا جواري لديه، هو سيعيش صراعه مبكراً مع أي أخت ترفض الخضوع له، لأنها تريد أن تستقل بذاتها كما يستقل هو بذاته، سيعاني عندما يتزوج بفتاة مستقلة لم تتم تربيتها على أنها مجرد إنسانة قاصرة وعاجزة ولا تملك من أمرها إلا ما يريده الرجل.
هؤلاء الأطفال هم الرجال اليوم، والذين تمت تربيتهم على هذه الثقافة المشوهة التي أفسدت دواخلهم وطباعهم، أفسدت حريتهم في التفكير وحطمت قدرتهم على الابتكار والاختلاف والتميز، فأصبحوا صورة واحدة عن بعضهم، لقد لوثت هذه التربية أفكارهم ومعاني الرجولة في عقولهم، عندما يعجز الكثير من الرجال السعوديين عن التمييز بين حقوق المرأة وواجباته تجاهها، فلأنه منذ طفولته تم تلقينه أن ليس للمرأة حقوق خارج البيت، وليس لها داخله إلا الواجبات، وعندما أصبح اليوم رجلاً ووجد النساء خرجن من البيت وينافسنه في العمل، لم يستطع الموازنة بين ما اعتاد عليه وتشربه من قناعات وبين الواقع الجديد، إن ما يعيشه الرجل السعودي اليوم يحتاج منه إلى عملية غسيل دماغ تنقذه من هذا النزاع بين ما اعتاده عمراً وبين واقعه الجديد.
سلطة الأمهات
كثير من الدراسات الاجتماعية تؤكد أن المجتمع الذي لا تشكل فيه العلاقة الزوجية رباطاً مقدساً بالنسبة للرجال، هو مجتمع يعطي بالمقابل صورة مبالغة عن قيمة الأم وعلاقتها بابنها، وفي بيوتنا لا يمنح الرجل قيمة حقيقية لأي امرأة ولو زوجته كما يمنحها لأمه، فالرجال يشعرون بأريحية عالية عند التعبير عن حبهم لأمهاتهم، لكنهم غالباً ما يواجهون صعوبة في التعبير عن حبهم لزوجاتهم، والقلة الذين يمكن أن يعبروا سيكون تعبيرهم عن كونها أم الأبناء لا عن كونها الحبيبة وشريكة الحياة، غالباً ما يخطئ الرجل بحق زوجته من خلال تعبيره عن حبه لأمه، فعندما يكرر الأبناء الشباب أنهم لا يثقون بأي امرأة إلا بأمهاتهم، هي إهانة مباشرة لكل امرأة، وأيضاً هي دلالة على ضعف ثقة الرجل بنفسه، إن دراسات التحليل النفسي تكشف عن الأبناء الرجال الذين لا يرون في المرأة إلا صورة الأم، هم غالباً رجال يعانون من القلق تجاه رجولتهم، فهم لا يرون في النساء من يستحق القيمة والاحترام إلا الأمهات لأن الأم تحبهم بدون شروط، وهم في المقابل لا يطمئنون للمرأة الزوجة، بل يعتبرونها منتفعة ومستفيدة، ولهذا يلتجئ هؤلاء الرجال إلى أمهاتهم ولا يعترفون إلا بحب الأم غير المشروط.
لا يفكر هذا الرجل بأن أمه الطاهرة في هذا العمر لم تكن بعين أبيه غير هذه الزوجة التي ينظر لها هو اليوم كسيدة أقل من أن تستحق التعبير عن الحب والثقة، هو لا يريد أن يعيش الأمان مع زوجته، ويريد أن تبقى أمه وحدها مصدر أمانه، وأمان هذا الرجل ليس في الشريكة التي تسمع له وتقتسم همه وفراشه ومأكله، أمانه ليس الزوجة التي تسهر على تعبه وتسعى لراحته وتشاركه في كل تفاصيلها وشؤونها، هي ليست زوجته التي تربي أبناءه وتحمل هم بيته في حضوره وغيابه، أمانه فقط في أمه وحيدة دون غيرها، مهما كانت علاقته بأمه في الحقيقة باهتة وغير مستقرة أو مفعمة بالحب.
مخاوف متباينة
المخاوف التي يشعر بها الرجل السعودي لا تتطابق تماماً مع مخاوف النساء، لكنها تبقى مخاوفَ بكل معاني الخوف، ويبقى الشعور بالقهر والذل يلاحق أي رجل عندما يعجز عن القرار مهما بدا قراراً صغيراً أو تافهاً بالنسبة للآخرين، ليس دقيقاً تصوير الرجل السعودي على أنه الملك الذي لا يهتز عرشه، في الحقيقة هذا الملك يعاني من الأعباء ما يقيد حريته، هو يتحمل عبء رعاية مالية لعائلة كاملة، هو يتحمل عبء حركة كل أنثى حوله، من الذهاب إلى المدرسة إلى مراجعة المستشفى، هو يتحمل عبء حياة النساء اللاتي تحت سلطته القانونية والاجتماعية.
ليست النساء فقط يعشن تحت سلطة آبائهم، بل الرجال أيضاً يقعون تحت حكم هذه السلطة، هم أيضاً يعانون حداً قاسياً اسمه العقوق وحرمان الإرث بمجرد اختلافهم مع سلطة الأب الشيخ، الرجل يخشى أن يسلك أسلوب حياة يختلف جذرياً عن عائلته لأنه سيقع تحت ملامة الجميع وانتقادهم الدائم، الرجل مكبل بقيود الرعاية لعوائل كاملة من إخوة وأخوات، مملوء بمسؤولية عميقة تجاههم، مسؤولية تسمح له بالسلطة طبعاً، لكنها بالقدر نفسه تجعله يعيش تحت ضغط هذه السلطة المكلف بها دون طلب منه.
يعاني الرجل إذًا من صورة وهمية عنه تقول إنه قادر على كل شيء، وله الحق في كل شيء، في حين أنه في الواقع يفتقد كثيرا مما يريده، ويتحمل كثيرا مما لا يطيقه، وهذا تماماً ما يفقده توازنه كإنسان ويجعله مليئاً بالأوهام والوساوس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.