تمثل "الجوائز" الإبداعية التي تؤسسها وترعاها بعض العائلات طابعاً ثقافياً خالصاً في مساراتها، وأخرى تحمل طابعا تعليميا، لكنها في المجمل تثير أسئلة عن الدور الذي تلعبه تلك الجوائز في ظل وجود مؤسسات ثقافية وعلمية رسمية يمكنها أن تؤدي ذلك الدور، ويمتد ذلك الاستفهام أيضاً إلى مربع آخر لا يقبل الإجابة سوى بالنفي أو الإثبات، فهل يمكن اعتبار حضورها أنها وسيلة "للوجاهة العائلية" على حساب ترسيخ الإبداع؟ الناقد الأدبي حسين بافقيه اعتبر الجوائز الثقافية والمعرفية بشكل عام امتداداً للمجتمع الأهلي في سياق التاريخ الإسلامي، وأضاف في حديثه إلى "الوطن" أن تلك الجوائز ساهمت بدلالاتها والقيمة المضافة في حركية المجتمع، في النقلة النوعية من حيث الدلالة العلمية والثقافية، التي تمثلت صورتها بشكل كبير في "المؤسسات الوقفية". ورأى المشرف العام على جائزة "الشيخ مران بن قويد للإبداع العلمي"، الدكتور محمد بن مران أنه يجب قراءة مفهوم "الجوائز العائلية" من استجلاب فكرة "التكامل العام" الذي ينبغي أن يسود هيكلة كل مجتمع من المجتمعات المعاصرة، مشيراً إلى بعض التطبيقات الحديثة التي أوردها لتدعيم فكرته الرئيسة، قائلاً: "هناك على سبيل المثال لا الحصر "صناديق عائلية" في المجتمع السعودي تمثل نواة التكامل والتكافل والدعم لأبنائها حتى يكونوا عناصر داعمة للتنمية، وتحقق الأهداف والغايات المؤملة منها، لذا نحن نتحدث هنا عن "تكاملية" المعرفة، التي تدعم بشكل كبير رؤية المؤسسات الوطنية في القطاع العام والقيادة أيضا في الوصول إلى مجتمع الاقتصاد والمعرفة". ويشير الدكتور ابن مران في تعليقه ل "الوطن" إلى أن "الجوائز العائلية" التي تخصصت بشكل دقيق في دعم المتفوقين والمبدعين والموهوبين والمخترعين، استطاعت أن تمثل مفهوماً تكاملياً من "العيار الثقيل" بين إطارات المجتمع الأهلي ومؤسساته الثقافية والمعرفية. ويقول:" دور الجوائز العائلية ليس إحراج المؤسسات المتخصصة في السلك الثقافي أو التعليمي، بل هو دور "مكمل" لها، ولما تقوم به تلك المؤسسات من واجبات". بافقيه الذي تناول "الجوائز" من خلال كتابه "الجوائز الأدبية.. الحدود والأقنعة"، يؤكد على مفصل مهم في بنية تلك الجوائز، من أن "النشاط المتخصص لتلك الجوائز يعد تفعيلاً "للمسار المدني"، ويقول:" أغلب الجوائز التي كتب وعرف عنها سواءً في التاريخ الإسلامي الماضي أو التاريخ الحديث، لم تدخل تحت إطار جوائز الحوكمة، بل من قبل جمعيات ومؤسسات مدنية الطابع، وفي مجالات كثيرة". عند البحث في مفردات عدد من المثقفين حيال "جوائز المعرفة العائلية"، تجد قاسماً مشتركاً بينهم يحدده عدم خروج تلك الجوائز عن مفاهيم "الإطار الوطني"، عندما تحصر في مربعي "المناطقية" أو القبيلة"، الفكرة السابقة يتفق معها بافقيه بعض الشيء، بالقول: "لا أحد يستطيع أن ينكر أن القبيلة مكون أساسي في مجتمع الجزيرة العربية، وهي جزء من التكوينات الاجتماعية الفاعلة، فلا ضير أن تكون الجائزة محصورة بأبناء القبيلة شريطة عدم خروجها عن الفكرة الوطنية العامة، بعدم عنصريتها، وترسيخها مبدأ الثقافة الإنسانية". ويستدرك بافقيه قوله السابق بإيضاح خطورة يراها في تلك الجوائز العائلية، حينما تتخندق على نفسها وتأخذ الطابع القبلي والمناطقي على حساب الحركة العلمية والثقافية، وهو ما يؤيده رئيس نادي جدة الأدبي السابق الدكتور عبد المحسن القحطاني، الذي يضيف أمراً يراه مهماً من أن جوائز "التفوق الدراسي" التي تقام في المناطق لا تدخل في حيز "عنصرية الجوائز"، باعتبارها تدعم رسالة التعليم والإبداع. ويضيف القحطاني في حديثه إلى "الوطن": "إن وجود نظام في الجوائز التعليمية العائلية، يبعدها عن خانة العنصرية والمناطقية، لأنها لا تدخل في انتقائية التكريم، بل إنها متاحة لجميع قاطني المنطقة". يعود المشرف العام على جائزة "الشيخ مران بن قويد للإبداع العلمي" إلى تشريح يدعم رأيّ بافقيه والقحطاني بالقول: "صحيح أن الجائزة محددة بإطار طلاب وطالبات محافظتي وادي الدواسر والسليل التابعتين إدارياً لمنطقة الرياض، إلا أننا استطعنا خلال أقل من ثلاث سنوات من عمر الجائزة، أن نمأسسها عبر مجلس استشاري يملك صلاحيات واسعة ومكون من شخصيات حكومية رفيعة المستوى، إضافة إلى شخصيات أكاديمية كان بعضهم مديرين سابقين لجامعات مرموقة، ونظام خاص بالجائزة، وتسجيل إلكتروني، لذلك الوجاهة أو القبيلة أو المنطقة ليس لها مكان هنا على الإطلاق، بل على العكس مجلسنا الاستشاري يدرس مقترحاً فعلياً لتعميم الجائزة على مستوى مناطق المملكة، فقط نحتاج إلى مرحلية حتى تنضج الجائزة، وللمعلومية أن سمعة الجائزة وصلت إلى مستوى دول الخليج". وبشكل غير مباشر يقول ابن مران:" للأسف لدى بعض مثقفينا شعور، بأن الجوائز العائلية "فقاعات هوائية" لا تساهم في تدعيم وتعزيز البحث العلمي بين أبنائنا، ودعم ومؤازرة رسالة التعليم في شتى مراحله الأساسية، صحيح بعض الجوائز العائلية لديها قصور في حصرها بأبناء عائلة محددة، لكن في المقابل هناك جوائز استطاعت أن تخرج من كيان العائلة أو القبيلة، لمجال أوسع وأرحب وهو "الاندماج الوطني" مع الجهود الرامية لتعزيز رسالة العلم المعرفة والإبداع، لذلك نطالب مثقفينا بالاقتراب أكثر لمعرفة الخارطة الحقيقية "للجوائز العائلية" والتدقيق أكثر في تفاصيلها، خاصة تلك تخصصت في "البناء المعرفي والعلمي" لأبنائنا وبناتنا. ويرى أن هناك حاجة ماسة إلى توسيع الرسائل العلمية في التركيز على دور "الجوائز العائلية" في تنشيط الحركة العلمية في المملكة، بدراسات تحليلية نستطيع من خلالها "نمذجة" تلك الأبحاث بشكل تطبيقي على الواقع، وهو ما يعطي الأمر قيمة مهمة في "المكون المعرفي" والأدوار التي من الممكن أن تسهم بها في باب "الوعي العلمي والفكري".