حينما تلج إلى المنتديات الإلكترونية، يصادفك سؤال عام يتكرر بشكل مستمر بين أعضاء تلك المنتديات، حينما يأتي ذكر عروس البحر الأحمر جدة، وهو "يا بنات.. أنا جايه من الرياض لأم الرخاء والشدة، بس من فيكن يعرف كيف أصل لسوق الخاسكية؟". وأنت تتحرك بين جنبات هذا السوق، تلاحظ أنه لا يزال يحتفظ ب"ذاكرة قوية" لعالم بدايات تأسيس المال والأعمال لأغلب العوائل التجارية التي شقت طريقها من هنا إلى رحب أوسع، فبعضهم ما زال يحتفظ بمكتبه الأول في هذا السوق، ولم يبرح مكانه حتى اللحظة. معلومات تاريخية كبيرة يحملها هذا السوق، الذي كان يمثل في الفترات السابقة "نقطة الارتكاز" التجارية لأهالي وأعيان جدة القديمة، خاصة وأنه كان بالقرب من مينائها الحيوي، ونقطة وصل مع التجارة الخارجية، إلى جانب أنه كان يربط حواري جدة القديمة التي كانت تجاور العديد من قنصليات الدول الكبرى، وقيل إن اسم "الخاسكية" تسمية تركية انحرفت عن الأصل العربي التي تعني "الخاص". "بيع بالجملة"، هي كلمة التبادل في هذا السوق، فبيع التجزئة ليس له مكان هنا، وهذا سبب إقبال الناس عليه. يعتقد الكثيرون أن هذا السوق مخصص لذوي الدخل المحدود، وهذا غير صحيح، كما يقول أحد أصحاب تلك المحال المتخصصة في بيع لوازم احتفالات المدارس، طه البرعي، الذي يؤكد أن "الخاسكية" سوق مفتوح للكل، تلج إليه كل "الطبقات الاجتماعية"، لأنه يلبي كثيرا من مستلزماتهم بأسعار تنافسية أقل مما تعرض في السوق المحلي. تشكل النساء "حصة الأسد" في خارطة زيارة أزقة السوق، فهن إما معلمات يتجهن لتجهيز حفلات المدارس، أو لشراء احتياجات محددة كالإكسسوارات أو كلف الخياطة، أو لعب الأطفال البسيطة، التي تجدها هنا بسعر أقل من خارجه بنسبة 40%، كما يشير إلى ذلك إقبال خان، بائع في محل لعب الأطفال. "لتبدئي مشروعك الصغير.. اتجهي إلى "الخاسكية"، عبارة عرضتها إحدى العضوات النشطات في منتدى نسائي إلكتروني، تقول فيها: إنها بدأت في بناء مشروعها التجاري من منزلها عبر إقامة حفلات استقبال المواليد لصديقاتها أو من يلجأ إليها، والتي عادة ما تكلف آلاف الريالات، إذا ما لجأن إلى أحد المحال المتخصصة في هذا النوع. وتضيف أنها استطاعت بفضل موهبتها في صناعة الأجواء الاحتفالية الاتجاه نحو الخاسكية، الذي لبى لها كل ما تريد بأسعار الجملة، وهو ما در عليها "ربحا جيدا"، أضحت تستند عليه في حياتها العملية، بدلا من العمل الوظيفي المرهق. في الخاسكية ليس هناك "موسم عمل دون غيره"، مثل أسواق المولات التجارية التي تصيبها حالة الركود الاقتصادي، التي تنشطها الإجازات الموسمية أو موسم مهرجان جدة للتسوق، فكلمة "ركود" ليس لها ح ظ ولا نصيب، فالحركة مستمرة على الدوام، ليس فقط من السكان المحليين، بل حتى من حركة المسافرين القادمين من الخارج، إما لغرض العمرة أو التبضع التجاري، الذين يعتبرون هذا السوق بمثابة "الصين" في شراء البضائع ونقلها إلى بلدانهم.