التنمية في جوهرها فعلَ انتقالٍ من حالة التكرار إلى حالة الإضافة، ومن منطق البقاء إلى منطق الأثر. غير أن كثيرًا من المبادرات التنموية - سواء في القطاع الحكومي أو غير الربحي أو حتى الخاص - تقع في فخ «المنافسة التقليدية»، حيث تتشابه الأهداف، وتتكرر البرامج، وتُقاس النجاحات بمؤشرات قصيرة المدى، بينما يغيب السؤال الأهم: ما القيمة المختلفة التي نُضيفها فعلًا؟ تُظهر التجارب الاقتصادية أن المنافسة الشديدة لا تقود بالضرورة إلى جودة أعلى أو أثر أعمق، بل كثيرًا ما تستهلك الموارد، وتُضعف الاستدامة، وتحوّل الجهود إلى صراع على الحصص بدل تركيزها على حل المشكلات. في المقابل، فإن «الاختلاف البنّاء» - أو ما يمكن تسميته «التميّز التنموي» - هو ما يصنع الأثر طويل المدى. فالمبادرة التنموية التي تبتكر نموذجًا فريدًا، أو تخدم فجوة مهملة، أو توائم الحل مع السياق المحلي، تكون أقرب إلى تحقيق أثر مستدام من مبادرة تنافس عشرات غيرها في المسار نفسه. في أدوار التنمية الحديثة، لم يعد المطلوب هو مضاعفة عدد البرامج، بل تعميق أثرها. ولم تعد المؤسسات التنموية مطالَبة بأن «تفعل كل شيء»، بل أن تفعل «الشيء الصحيح» الذي لا يفعله غيرها. هنا يظهر دور القيادة التنموية في إعادة تعريف السوق التنموي، وفهم المستفيدين بعمق، وبناء حلول لا تُقاس فقط بعدد المستفيدين، بل بجودة التغيير في حياتهم. كما أن التنمية الحقيقية تتطلب شجاعة الخروج من منطق التقليد، والانتقال إلى منطق الابتكار الاجتماعي، حيث تُبنى الشراكات لا على أساس التنافس، بل على التكامل، ويُنظر إلى الموارد بوصفها وسائل للأثر لا غايات بحد ذاتها. التنمية التي تصنع فرقًا ليست تلك التي تُشبه غيرها، بل تلك التي تُجيد الإجابة عن سؤال واحد: ما الأثر الذي لن يتحقق في غيابنا؟