تنتهج عدد من مؤسسات القطاع العام او الخاص ما تسميه بحفلات التكريم للمتميزين من موظفيها، سواء أكان ذلك بشكل دوري خلال العام او في نهاية كل عام، وتشعر هذه المؤسسات انه من الواجب عليها وكحق لأولئك الذين عملوا بجد واجتهاد أن (تميزهم) عن غيرهم بمنحهم أوسمة شكر وتقدير وإبرازهم أمام زملائهم الآخرين في لقاءات علنية يثاب فيها المجتهد ويكافأ. بداهة نعلم ان من كرم من قبل إدارته وحاز على تقدير معنوي أو مادي نظير جهوده، سيمثل له هذا الأمر حافزا كبيرا (لمواصلة) العطاء وتنامي الجهد إذ أنه سسيشعر أن ما قدمه من جهد لم يذهب هباء بل وجد حقه المناسب من الشكر والتقدير، هذا أمر نتفق عليه، ولكن الأمر الذي هو مثار سؤالنا هو عن أثر هذه اللقاءات التكريمية على بقية الموظفين ممن لم يشملهم التكريم؟ التنظير المثالي سيقول ان هذه المبادرات التكريمية ستجعل أولئك يعملون في قابل الأيام لينالوا نصيبهم أيضا ان هم جدوا واجتهدوا، وهذه نظرة مثالية جدا تقتضي ان يكون ذلك الشخص غير المكرم مقتنعا بصدق ويقين انه لم يعمل ولم يقدم ما يستحق التكريم ولذا فهو ينظر للمستقبل بأمل تحسين قدراته وأدائه لينال ما ناله زملاؤه، لكن واقع الحال الذي لا ينكره مكابر أن قلة قليلة فقط تؤمن بيقين تام أنها لا تستحق التكريم، أما البقية فإن مراقبتهم تنحصر فقط على ما بذلوه هم من جهد في مقابل أنهم لم يطلعوا على ما قدمه الزميل الآخر، هذا على افتراض أن هناك بالفعل تمايزا يستحق معه من كرم التكريم، بمعنى أن من لم يكرم لم يظلم، ولكن رغم ذلك تظل نظرة غير المكرم انه لم ينصف ولم ينل حقه على الوجه الأكمل، كما أنه في تلك اللقاءات التكريمية قد يسقط لسبب او لآخر مقصود أو غير مقصود اسم من يستحق التكريم بالفعل مقابل ان يتم حشر أسماء لم تتواجد في هذا المكان لشيء يتعلق بأداء العمل!!. وهنا يبقى السؤال الأهم ما هو الأثر الذي ستتركه مثل هذه اللقاءات على نفس ذلك الموظف أو الطالب النشيط الذي بذل من وجهة نظره هو ووجهة نظر الآخرين ما يستحق معه أن يكون على رأس المكرمين؟ الإجابة ببساطة عن كلا السؤالين أن من لم يكرم رغم عدم احقيته بالتكريم أو من لم يكرم رغم أحقيته سيتولد لديهم شعور بالخيبة والإحباط، وأن هناك من (سلبهم) حقا من حقوقهم، وبالتالي فإن الأثر المتوقع والذي سينعكس على العمل في الأيام المقبلة أن أولئك لن يكونوا منتجين بذات الصورة التي كانوا عليها من قبل!! وفي الإطار العام ستتضرر الدائرة التي نظمت هذه اللقاءات، إذ أنها مع كل لقاء تكريمي تفقد آخرين، وعلى المدى الطويل ستجد ان العطاء يقل والإنتاجية تتضاءل، كما أن من شأن التكريم الفردي للأشخاص أن يكرس مفهوم (التنافس) بين الموظفين والذي بالتأكيد سيؤثر على روح (التعاون) بين الموظفين في الإنتاجية الجماعية للعمل، إن لم تظهر بوادر تنافس غير شريف بين موظفي الدائرة الواحدة. هل الحل إذن هو الغاء مثل تلك اللقاءات التكريمية؟ وقبل الإجابة فإنه بداهة نسلم بحق المجتهد أن ينال حقه لقاء عمله، ولكن حينما نضع في الاعتبار الإطار العام للمنظومة العاملة وحينما نقارن ما ستجنيه الإدارة من حفلاتها التكريمية (سلبا) فإننا نقف على اعتاب خيارين اثنين: إما أن تلغى هذه اللقاءات ويكرم المجتهد بطريقة خاصة بعيدا عن أعين الجميع، درءا للتأثير على سير العمل، أو أن يكرم الجميع.. وعلم الإدارة الحديث يرى الرأي الأخير، مع الأخذ بالاعتبار التمايز بين من يتم تكريمهم، خاصة وأن التكريم في أحيان لن يتعدى ورقة مزخرفة خط بها اسم المكرم، وكمثال لذلك، لو تصورنا أن احدى الإدارات تضم بين جنباتها عشرين موظفا، وفي اللقاء التكريمي في النمط السابق كرمت ثلاثة موظفين فقط، وحتما انه من أولئك العشرين سيخرج لنا قرابة السبعة متميزين ولكنهم بدرجة اقل ممن كرموا، وربما سبعة آخرين يظنون بتميزهم لأنهم لم يلحظوا عمل الآخرين، والبقية ربما مقتنعة بقدراتها وما تقدمه من جهد لا يرتقي للتكريم.. هنا ما الذي سينعكس عليه تكريم الثلاثة بالنسبة للسبعة المميزين والسبعة الذين يظنون بتميزهم؟ ألن يؤثر هذا علي إنتاجيتهم في العمل في قابل الأيام حال شعورهم بأنهم ظلموا حينما تخطاهم الاختيار؟ والحال المقابل لو كُرم الثلاثة على أنهم متميزون بدرجة أولى، ثم كرم السبعة العاملون بشهادات تقدير، ولن يعدم المشرفون والمديرون ان يبتكروا مسميات تكريمية مناسبة لا يتخطون فيها السبعة الآخرين كالموظف المجتهد والموظف المتطور.. وهكذا، وفي هاتين الصورتين يتبين لنا اين يكمن صالح الدائرة فيه؟ وأيهما سيفيد في رفع الانتاجية وتنامي الآداء؟ وأذكر في هذا الشأن أن احد المديرين في إحدى شركات القطاع الخاص كان يضع جائزة شهرية يتم من خلالها تكريم الموظف البارز في ذلك الشهر من خلال لقاء علني أمام الجميع، يقول ذلك المدير إنه لاحظ ولمدة ستة أشهر قلة في الإنتاجية وفي تلبية حاجة العملاء، بل انه ذكر ان بعض الموظفين كان يتعمد الحاق الأذى بزميله من خلال إخفاء أشياء تتعلق بماهية عملة وتؤثر عليه أمام العملاء لتكثر الشكاوى ضده، ويذكر انه لاحظ توترا في التعامل بين الموظفين وروحا تنافسية غير شريفة، مما جعله يعيد النظر في سياسته وينهج نهج التكريم الجماعي من خلال الأقسام المتميزة إذ ان النجاح في هذه الحالة ناتج لجهد جماعي وليس فرديا، كما أنه ابتكر مسميات عدة لجوائز تكريمية جعلت منها تمر على غالبية الموظفين حتى المستخدمين لم يتجاهلهم وكان لهم نصب في التكريم، ويقول إنني اشعر الآن أن روح التعاضد والهم الجماعي ونفس الأسرة الواحدة تسري بقوة في الأعمال المنفذة، بل إنه لاحظ أن البعض يقوم بكل طواعية بتنفيذ عمل زميله أثناء غيابه أو انشغاله بأمر ما.