تتسارع المؤشرات على تصاعد الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين في السودان، مع تواتر تقارير صحفية وحقوقية دولية توثق نمطا منظما من العنف في إقليم دارفور، ولا سيما في مدينة الفاشر. وبينما تتعمق الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تتجه الأنظار الدولية إلى ما تصفه جهات حقوقية ب«جرائم واسعة النطاق»، شملت القتل الجماعي، والاحتجاز القسري، والاختفاء القسري، ما أعاد ملف المساءلة والعقوبات إلى الواجهة الدولية بقوة. شهادات ميدانية كشفت صحيفة «واشنطن بوست»، استنادا إلى شهادات ناجين ومصادر محلية، أن قوات الدعم السريع احتجزت آلاف المدنيين في مدينة الفاشر، من بينهم نساء وأطفال، داخل مواقع غير رسمية. وأفادت الشهادات بأن المحتجزين تعرضوا للتعذيب، وأُجبر بعضهم على الاتصال بعائلاتهم، للمطالبة بدفع فدى مالية مقابل الإفراج عنهم، بينما جرى إعدام من عجز عن الدفع، وفقا للروايات التي وثقتها الصحيفة. وتأتي هذه الاتهامات في ظل انقطاع شبه كامل لوسائل الاتصال، وصعوبة وصول الصحفيين والمنظمات الإنسانية إلى المدينة، ما يزيد من تعقيد جهود التحقق الميداني، ويعزز الاعتماد على شهادات الناجين والصور الفضائية. 140 موقعا في تطور لافت، أعلن ناثانيال ريموند، مدير مختبر البحوث الإنسانية في كلية الصحة العامة بجامعة ييل، أن فريقه توصل إلى مؤشرات أولية تشير إلى مقتل عشرات آلاف المدنيين في مناطق متفرقة من دارفور. وأكد أن المختبر يستعد لإصدار تقرير يوثق ما لا يقل عن 140 موقعا يُشتبه في كونها مقابر جماعية. عقوبات بريطانية على خلفية هذه التطورات، أعلنت المملكة المتحدة فرض عقوبات على أربعة من قادة قوات الدعم السريع، من بينهم عبد الرحيم حمدان دقلو، الرجل الثاني في هذه القوات وشقيق قائدها محمد حمدان دقلو المعروف ب«حميدتي». وشملت العقوبات تجميد الأصول وحظر السفر بتهم تتعلق بارتكاب فظائع خلال الحرب الأهلية المستمرة. ونقلت الحكومة البريطانية عن وزيرة الخارجية إيفيت كوبر قولها إن العقوبات تستهدف بشكل مباشر «الأشخاص الذين تلطخت أيديهم بالدماء»، مشيرة إلى وجود أدلة تصفها ب«الدامغة» على ارتكاب إعدامات جماعية، وتجويع ممنهج، واستخدام الاغتصاب سلاح حرب. توافق أوروبي لم تقتصر الإجراءات على بريطانيا، إذ سبق للاتحاد الأوروبي أن فرض، في نوفمبر الماضي، عقوبات على عبد الرحيم حمدان دقلو، في خطوة تعكس تزايد التوافق الغربي على تحميل قيادات الدعم السريع مسؤولية مباشرة عن الانتهاكات في دارفور. كما شملت العقوبات البريطانية ثلاثة مسؤولين آخرين من قوات الدعم السريع، من بينهم قائد منطقة شمال دارفور اللواء جدو حمدان، والقائد تيجاني إبراهيم موسى، وشخصية تُعرف بلقب «أبو لولو»، على خلفية اتهامات بالتورط في الفظائع المرتكبة في مدينة الفاشر. معاناة النازحين بالتوازي مع التصعيد العسكري والعقوبات، تتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل حاد. ففي مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، اشتكى نازحون في مراكز الإيواء من نقص شديد في الغذاء والمياه والمواد الأساسية، في ظل تأثير موجة البرد على الأسر المقيمة داخل خيام مؤقتة. وأشار نازحون إلى ضعف الخدمات الصحية وغياب التعليم للأطفال، مطالبين بتدخل عاجل لتوفير مراكز صحية ودعم الإمدادات الغذائية واحتياجات الشتاء، خصوصا مع استمرار تدفق الفارين من مناطق القتال، ما جعل الولاية من أكثر المناطق استقبالا للنازحين.