تحول أيديولوجي تعكس استراتيجية الأمن القومي تحولاً جوهرياً في نهج واشنطن نحو العالم، عبر تكريس مبدأ أمريكا أولاً كقاعدة لاتخاذ القرار. تغيب أجندة الديمقراطية التقليدية لتحل محلها مصلحة قومية مباشرة تهدف لزيادة قوة الولاياتالمتحدة وازدهارها. هذه المقاربة العملية تُحقق مكاسب داخلية قصيرة المدى، لكنها تخاطر بخلق بيئة دولية أكثر انقسامًا وضعفًا على المدى الطويل. صدمة أوروبية تعاملت أوروبا مع الاستراتيجية بوصفها جرس إنذار للعلاقة عبر الأطلسي. لغة الوثيقة تُطالب أوروبا بتحمل مسؤولية أمنها وتمويله، وتُثير انتقادات حادة لمشهدها السياسي والاجتماعي. هذه المقاربة التي تعتمد «الحب القاسي» قد تعمق فجوة الرؤية بين واشنطن والعواصم الأوروبية، كما تكشف خوفًا من المهاجرين ونقاشًا ساخنًا حول الهوية الأوروبية ومستقبل الاتحاد. بين الطمأنة والقلق تنظر بكين إلى بعض بنود الاستراتيجية بإيجابية، خاصة تلك التي تؤكد على عدم التدخل واحترام السيادة. هذه الرسائل تُخفف مخاوف الصين من محاولات تقويض نظامها الداخلي. في المقابل، تُثير الاستراتيجية القلق بمبدأ مونرو جديد يدعو للحد من الوجود الصيني في أمريكا اللاتينية، مع تأكيد قوي على الردع وتعزيز النفوذ الأمريكي في المحيط الهادئ. تراجع الديمقراطية تتراجع ملفات الإصلاح الديمقراطي عن قائمة الأولويات الأمريكية، لصالح مبدأ التعامل مع الحكومات التي تشترك مع واشنطن في المصالح حتى إن اختلفت معها أيديولوجياً. تنعكس هذه المقاربة في تعامل الولاياتالمتحدة مع أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، حيث تُرفع الضغوط عن الأنظمة الملكية، مع قبول الإصلاح التدريجي دون فرضه. هذه المقاربة تمنح الطغاة هامشًا واسعًا، مقابل ضمان التعاون الاقتصادي والسياسي. إعادة تقييم تنتقد الوثيقة اختيار واشنطن السابق بفتح الأسواق أمام الصين، بوصفه رهناً على دمجها في نظام قائم على القواعد لم يتحقق. ترى الاستراتيجية أن صعود الصين لم يُرافقه التزام بالنظام الدولي، ما يجعل النهج الجديد أكثر صلابة في حماية النفوذ الأمريكي. لكنها تتجاهل أن خيار الانفتاح كان ضروريًا في حينه، وأن فشل المقاربة لا يلغي أهمية المحاولة. اختبار قاسٍ تنهي الاستراتيجية نهج التشجيع اللين لحلفاء الناتو، وتفرض لغة الحزم في تقاسم الأعباء. وتقدم انتقادات ثقافية للهجرة وتراجع الهوية الأوروبية، ما يثير القلق في بروكسل وبرلين وباريس. تُظهر الوثيقة ميولًا نحو خطاب يميني يعالج الأزمة الأوكرانية من زاوية ضعف أوروبا، ويفسر التوتر مع روسيا كنتيجة تراجع ثقة أوروبا بذاتها، رغم أن موسكو تُشكل تهديدًا وجوديًا بالفعل. خلاصة سياسية تتراوح لغة الاستراتيجية بين التطمين والتحذير، وبين مراجعة التاريخ وتقديم رؤية مستقبلية مصاغة بمزيج دبلوماسية غير تقليدية وقوة عسكرية. تهدف الإدارة إلى إطفاء الصراعات قبل تحولها إلى حروب عالمية، مع تأكيد أن السلام أكثر فائدة للولايات المتحدة من الانخراط في صراعات طويلة. لكن تجاهل ركائز السلام الدولي من تحالفات وديمقراطية وتجارة مفتوحة قد يجعل أمريكا أكثر عزلة وضعفًا، لا أكثر قوة.