في مقطع مصوَّر تداولته منصات التواصل الاجتماعي مؤخرًا، بدا مشهد الدفن وكأنه يحدث خارج الزمن.. رجل يُوارى الثرى في مقبرة بصحراء إحدى الهجر شمال حفر الباطن، بلا سور يحمي المكان، ولا لوحة تحدد معالمه، ولا رقابة تتابع أو تشرف. مشهد بدا بسيطًا في صورته، لكنه ثقيل الدلالة؛ إذ يكشف واقعًا مقلقًا عن مقابر ما زالت تُدار بالعُرف المحلي، بعيدًا عن أعين الجهات المختصة. في قلب بعض الهجر، ما زالت مقابر صغيرة قائمة على حالها منذ عقود؛ بلا سور يرسم حدودها، ولا إشراف بلدي يحفظ نظامها، ويتعامل معها الأهالي وكأنها شأن محلي يخصهم وحدهم، يُدفن فيها الموتى دون إذن رسمي أو متابعة من جهة مختصة.. مشهد يختصر إشكالية غياب الرقابة، ويكشف هشاشة التعامل مع ملف بالغ الحساسية. الخطر هنا لا يتوقف عند حدود التجاوز الإداري، فالمقبرة غير المسوّرة ثغرة أمنية مفتوحة، قد تُستغل للدفن غير النظامي أو لأمور أخطر من ذلك، وتبقى موضع شك وغموض في وقت نحن أحوج فيه إلى الوضوح والانضباط. لذا الملف على طاولة وزارة البلديات لتسوير هذه المقابر وإغلاقها والإشراف عليها، باعتبارها شأنًا عامًا لا يقل أهمية عن أي مرفق حيوي آخر. حصر المقابر النائية، وإيقاف الدفن فيها، وتأسيس قاعدة بيانات وطنية موحّدة، خطوات أساسية لضبط هذا الملف، لكن الأهم أن يدرك المجتمع مسؤوليته في التبليغ والمتابعة، فالموت لا يعرف التسيّب، والكرامة لا تحتمل النسيان.