الذين يبتذلون القول، يُلقون الكلام على عواهنه، يستخدمون أسلوب السخرية العمياء والتهكم بطيش عال من أجل لفت الأنظار، وانتزاع ابتسامات الآخرين. لا شك أنهم سقطوا من حيث لا يعلمون في سوء نتائج أقوالهم، وأصبحوا عُرضة لردود أفعال غاضبة. ولهذا يسارعون بعد فوات الأوان بأعذار غير مقنعة مكررة، ومستهلكة على طريقة «تم اجتزاء حديثنا، وفُهِم خارج سياقه». والاجتزاء في اللغة يعني الاكتفاء بجزء من شيء، أو اختيار ما هو قصير منه، بينما خارج السياق يختلف عن المعنى المقصود، ومن حق المتحدث، والكاتب أن يدافعا عن موقفهما إذا تعرضا للضرر المتعمد لكن الذي لا يقبله العقل والمنطق هو التفحيط اللفظي، الممزوج بالإسفاف«والتميلح» الغبي، والساذج. يقول خطاط المُصحف، والتربوي الكاتب الأديب عوض آل شايع في الجزء الثاني من سلسلة وصال الأسبوعية: «إن من الذكاء فهم السياق العاطفي قبل أن تتكلم، فلا تُعاتب حزيناً، ولا تُمازح مهموماً، ولا تنتقد في لحظة فوز، عليك أن تتحدث بضمير حي، وليس الذكاء أن تقول الكلام المناسب، بل أن تقول ما يُناسب شعور من أمامك». وفي عصرنا كثُر «المتفيقهون» ممن يناقضون أنفسهم بأقوالهم، ويُتبعونها بتبريرات واهية ثم يأتي خلفهم «المُرَقِعون»، يلتمسون لهم الأعذار، يحاولون التغطية، على سقطات كلامهم، لكن على قول المثل الشعبي «توسع المزق على الراقع»وأصبحت تلك الخروقات اللسانية في قبضة مجتمع لديه القدرة على استخدام وسائل الإعلام الجديد، بمنصاته المختلفة كحائط صد وانتقاد لكل من يخدش القيم، ويصادر مشاعر إنسانية متجذرة بالفطرة تجاه الأقارب والأصدقاء، والحياة بصفة عامة. ولست أدري أهو الغرور إذا حجب بصيرة الإنسان يجعل لسانه يتفلت بكلام غير منضبط، وخارج على المألوف؟ وقد يكون مؤشراً على ضمور العقل، وفقدان التركيز وربما نتيجة إحساس داخلي بانحسار الأضواء والشُهرة. وفي الماضي القريب كان المتحدثون في وسائل الإعلام والمجالس العامة، والمنتديات، يراعون أمانة الكلمة، ويوازنون بين مهارات التواصل، والكلام عن كل ما يُبهج بأسلوب مفيد، وجميل، وفكاهي بما يناسب المكان والزمان. وقفة: يقول الشاعر الشعبي أحمد الناصر الشايع رحمه الله. «اليا اشتبهت بوزن بعض الرجاجيل أسمع كلامه وأوزنه من كلامه أما حسبته من حساب المهابيل ولا حسبته من رجال الشهامة».