حين نفتح أدراج منازلنا، سنجد جميعًا تلك العلبة المنسية من دواء لم يُستكمَل، أو شريطًا لم يُستخدم من الأساس. اعتدنا التخلص منها كأنها منتهية الصلاحية فعليًّا، دون أن نسأل أنفسنا: ماذا لو كانت هذه العلبة حياة مؤجلة لشخص آخر؟ الهدر الدوائي ليس مجرد خلل في الاستهلاك، بل هو مؤشر على خلل في الوعي. وتشير التقديرات إلى أن ما بين 30% إلى 40% من الأدوية المصروفة عالميًا لا تُستخدم، بينما تتجاوز هذه النسبة 25% في المملكة العربية السعودية. تلك النسب تعني شيئًا واحدًا: نحن نهدر موردًا يمكن أن يكون شريان نجاة لمن لا يملك ثمن العلاج. من هذا الواقع، انطلقت مبادرة «علاجي» – وهي ليست مجرد مبادرة خيرية، بل مشروع وطني يحمل أبعادًا صحية، اجتماعية، بيئية واقتصادية. فكرتها بسيطة وعميقة في آنٍ معًا: تحويل فائض الأدوية غير المستخدمة (والصالحة) إلى عطاء منظم يصل لمن يحتاجه، بإشراف صحي وضمن ضوابط دقيقة. ليست هذه الفكرة نوعًا من الاجتهاد الفردي العاطفي، بل استجابة ذكية لمشكلة مزمنة تتطلب حلولًا مبتكرة. وقد جاء تأسيس «علاجي» متسقًا مع رؤية المملكة 2030 التي جعلت من الاستدامة وجودة الحياة حجر أساس في كل مبادرة تُبنى للمستقبل. لكن الأهم من كل ذلك، أن «علاجي» تعيد تشكيل نظرتنا كمجتمع لمسؤوليتنا الصحية الجماعية. لقد نشأنا على أن التبرع هو مال أو وقت، واليوم تعلمنا هذه المبادرة أن حتى علبة دواء غير مفتوحة قد تنقذ حياة. هذه ليست مبالغة، بل واقع تؤكده حالات مرضى لم يكن ينقصهم إلا دواء موجود على رفٍ في بيت آخر. ولا يمكن إغفال البعد البيئي هنا، فالتخلّص العشوائي من الأدوية يُسهم في تلويث المياه والتربة، ويعرض البيئة والمجتمع لمخاطر كيميائية على المدى البعيد. ومن هنا، فإن «علاجي» تضعنا أمام فرصة مزدوجة: أن نُنقذ إنسانًا ونحمي بيئة. إن نجاح مثل هذه المبادرات لا يتوقف فقط على الجهات المنفذة، بل على تجاوب المجتمع. فحين يدرك كل فرد أن ما يعتبره «زائدًا» قد يكون «أساسيًا» لغيره، سنقترب من مجتمع أكثر وعيًا وعدالة. وفي ظل هذه المعطيات، يجب أن تُحتضن مبادرة «علاجي» من قِبل الإعلام، والمناهج التعليمية، والمؤسسات الصحية، لتصبح ثقافة راسخة لا مجرد مبادرة موسمية. ختامًا، «علاجي» لا تطلب منا تبرعًا ماليًا، بل إعادة نظر في ما نعتبره «غير مهم»، بينما قد يعني الحياة لغيرنا. لذا فلنضع هذه العبارة في أذهاننا وقلوبنا: «دواؤك... حياة لغيرك».