وتمضي بنا الحياة في مواكب الزحام دون أن نشعر تسلبنا بعض الأشياء الجميلة، بل والمهمة في عصر ارتفعت فيه نسبة الإشغال والانشغال بشكل أو بآخر، كان ذلك على حساب الالتزامات الأساسية، وعلى حساب صحتنا أيضًا تمضي ونمضي بين مسلم ومستسلم.. انتظمنا في ذات الطريق ودون أن نشعر تمضي بنا الحياة ليبقى الوقت هنا أعز مفقود وأغلى مطلوب، فقط لتلك الأشياء الجميلة أو المفيدة. التلفاز والجوال وسائل التواصل الاجتماعي والأسواق وبرامج الألعاب والترفيه، وأشياء أخرى لا حد لها قضت على كل الوقت وأزهقت ما تبقى لدينا.. ما بين التصفح والتسكع إلى التقوقع تبدد كل الوقت، وقضى عليه تمامًا، وبغض النظر عن المهم والأهم والمفيد والعبث ضاعت أوقاتنا، وسقطت الكثير والكثير من الأشياء المهمة، بل وتلاشى البعض منها.. صلة الرحم.. البرامج المفيدة المسؤولية الاجتماعية، حتى القرآن والصلاة فقدت جزءًا كبيرًا من قدسيتها لدينا، فلا نملك وقتًا لبضع آيات.. ولا نذهب إلى الصلاة إلا إذا سمعنا صوت الإقامة. هذا إن ذهبنا إليها وتركنا ما بين أيدينا أو ما نحن فيه، فغالبًا تدخل في مفاضلة خاسرة، لا تنال منها إلا التأجيل أو التسويف، صلة الرحم ضاعت وسط الزحام وذلك الانشغال، ودخلنا نتيجة لذلك في النطاق الأحمر فيها، وفي مؤشر بر الوالدين.. إننا لم نعد نملك وقتًا أو نعير اهتمامًا للبرامج المفيدة أو البرامج المطورة للذات وللأبناء، جلها إن لم يكن كلها أخذت في التلاشي من رزمانة المهام أو الأعمال لدينا، وأما البرامج المؤثرة والمفيدة فلم نعد نجد لها وقتًا، لقد سقطت من حياتنا تحت بند الانشغال أو ليس لدينا وقت، فقد أصبحت نادرة لدرجة من الصعب الظفر بها أو اصطيادها وسط ذلك الزحام الذي لا ينتهي. لقد أصبحنا اليوم في أمس الحاجة إلى ما ينتشلنا من بين براثن هذا الانشغال الفارغ على الأقل كمتنفس أو بريك خفيف نرتب فيه أوضاعنا ونعيد فرمتت أحوالنا.. هذا إن استطعنا إلى ذلك من سبيل، وحتى ذلك الحين لا نملك إلا أن نقول: «انتبهوا لما تبقى من العمر قبل أن يمضي وسط ذلك الزحام.. تداركوا الوقت فلا يزال بالإمكان أفضل مما كان.. فألنا وفألكم التوفيق».