أثار اهتمامي مؤخرًا انتشار ظاهرة وسيطات الزواج (الخطّابات) في وسائل التواصل على نطاق واسع، وظاهرة «الخطّابة» قديمة ومستمرة في كثير من الثقافات والبلدان، وتمتد علاقات الخطّابة على نطاق ضيق لا يتجاوز الحارة أو المدينة، ولكنها اليوم أخذت طابعًا جديدًا، وانتشرت بشكل أوسع، ما يؤكد أن الخطّابات يتعاملن بذكاء مع التقنية، ويواكبن العصر دون التزام بالأساليب التقليدية، ويأخذن بمفهوم «التحول الرقمي» في التوفيق بين أزواج المستقبل، ويا بخت من وفق رأسين بالحلال. ظاهرة الخطّابة تنتشر في بيئة المجتمعات المحافظة لربط الأشخاص الذين لا يعرف بعضهم بعضا في الأصل ضمن إطار تقليدي محترم بواسطة شبكة معارفها الواسعة ودبلوماسيتها الرفيعة، فالخطّابة تتمتع بشبكة علاقات عامة ومعرفة بعدد كبير من العائلات ومهارات في التفاوض والعرض والإقناع، وتحظى بثقة اجتماعية، ما يعطيها الحق أحيانًا بالتدخل المفرط في حياة الآخرين، ومعرفة بعض أسرار البيوت التي تساعدها في بناء قاعدة بيانات ضخمة (DATA BASE) لتسريع عملية البحث الفوري عن مواصفات الشريكة المستقبلية. تعلن الخطّابة عن توفر دفعات جديدة - من الزوجات - بين وقت وآخر تناسب كل الأعمار وتلائم كل الظروف، وبمواصفات متنوعة حسب الرغبة. هناك طبيبات وممرضات ومدرسات ومحاميات وجامعيات، وهناك أرامل ومطلقات وأبكار بأعمار مختلفة وألوان وأشكال تناسب كل الأذواق. ولتسهيل عملية الاختيار تطلب الخطّابة تعبئة «استمارة عضوية» أو CV زواج يتضمن معلومات شخصية عن المتقدمة تشمل: العمر والجنسية ومكان الإقامة والوظيفة والحالة الاجتماعية والنسب والطول والوزن واللون وحالة النقاب (منقبة أو محجبة أو محجبة جزئيًا) ومستوى التدين والتعليم، ولتحقيق أكبر قدر ممكن من الشفافية والمصداقية يمكن أن يطلب من المتقدمة نتيجة تحليل دم وفحص وظائف كلى وتفاصيل التاريخ المرضي للعائلة، وهل الزوجة المستقبلية ترتدي النظارة الطبية تفاديًا لتوريث مشاكل النظر للأطفال مستقبلا. والخطّابة لا تتوقف عن الإعلان بوجود «دفعات جديدة» وعروض موسمية، فهي تؤمن بمبدأ «رضا العميل» ولأن الغاية تبرر الوسيلة يمكن أن تطلب من الزوج المستقبلي رؤية الزوجة المستقبلية، وإذا أعجبك شكلها أرسل: تم. وإذا لم يعجبك أرسل: التالي. فالبديل متوفر ولا تنس تقييم تجربتك. مع الخطّابة تحولت عملية الزواج إلى عملية محكومة بالعرض والطلب، وفي بعض الحالات يمكن أن تبتذل المرأة ويقلل من كرامتها وتعامل كسلعة تعرض مواصفاتها الجسدية والاجتماعية على الملأ في وسائل التواصل. وأهملت شخصيتها واهتماماتها لصالح التركيز على لونها ونسبها وعمرها وجمالها وحالتها المادية. ظاهرة (وسيطات الزواج) يحتاج لها تنظيم ورقابة ووضع «مدونة سلوك» تحترم كرامة المرأة وتمنع استغلال معلوماتها الشخصية وتجريم أي أعمال عشوائية في وسائل التواصل أو أي ممارسة فيها ابتذال لرابطة الزواج أو التعامل معها وكأنها صفقة تجارية تعرض فيها المرأة وكأنها «منتجا» يفاضل بينه وبين غيره بناءً على العمر والطول والوزن ولون البشرة والحالة الاجتماعية (بكر، مطلقة، أرملة) ويهمل عقلها وشخصيتها واهتماماتها وطموحاتها وقيمها، ومثل هذه الممارسات تضرب القيم الراقية للزواج كشراكة إنسانية ويفرغ معناها الإنساني والقيمي باعتبارها علاقة: مودة ورحمة وتفاهم.