في زمن أصبح المحتوى هو لغة العصر ومصدر رزق، وصوت المنصات يصل إلى كل بيت بلا استئذان، كان لا بد من أن تصاغ معايير تحفظ للمجتمع توازنه وقيمه. فالمشاهير اليوم لم يعودوا مجرد أشخاص يشاركون حياتهم الخاصة، بل هم صنّاع رأي ومؤثرون في سلوكيات الأجيال. في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت بعض الفئات تتصارع حتى تكاد تحتضر في مكان ضيق للبحث عن أزقة المجهول ومداخله، لدرجة أنه قد يتنازل عن المبادئ والقيم لأسباب شتى، ولكن كلها تصب في قالب واحد وهو الشهرة والمال. فتختلف تركيبات الوصول إلى الشهرة، فالبعض يملك قدرة ملفتة تميزه، والبعض لديه موهبة أو حتى امتيازات، وآخرون أصبحوا يسوقون لأنفسهم بعدة أوجه منها: إظهار كل نفيس لديهم أو استغلال لبراءة الطفولة أو غير ذلك من صور التنافس غير اللائق، فمن يستحق الشهرة؟ من هنا جاءت فرحتنا بقرار الهيئة العامة لتنظيم الإعلام الذي لم يكن مجرد إجراء تنظيمي، بل خطوة حضارية تنبض بالوعي والالتزام تجاه المجتمع. ولعل ما يزيد ثقتنا أن هذه الخطوة لم تأتِ بمعزل عن سياقها، فقد سبقتها جهود بارزة من الهيئة في ضبط مهنة الإعلام عبر وضع تراخيص واضحة تحصر الممارسة فيمن يملك الكفاءة والتأهيل، لقد أرست الهيئة بذلك مبدأ أن الإعلام ليس ساحة مفتوحة للفوضى وليس مهنةً لمن لا مهنة له، بل مهنة لها ضوابط ومرجعيات وحوكمة تحمي المجتمع وتحفظ قيمة الرسالة الإعلامية، ومن هذه الأرضية الراسخة انطلقت اليوم الضوابط الجديدة لمحتوى المشاهير على المنصات وكل ذلك للرقيّ بالمجتمع السعودي. صعود البعض من المشاهير إلى منصة الشهرة لم يكن لإرسال قيمة للمجتمع، أو تقديم توجيه وإرشاد أو تبني مبدأ ورسالة تخدم الإنسانية، أو تمثيل راق للمواطن السعودي، بل بالعكس أصبح كثير منها تفاهات وترهات ليس لها من الفائدة نصيب. جاءت هذه الضوابط كصمام أمان لمنظومة وضع المشاهير اليوم، لتضع المحتوى تحت مظلة المسؤولية وتجعل الشهرة أداة للبناء لا للفوضى. فالرسائل التي تُبث عبر المنصات لم تعد مجرد ترفيه عابر، بل هي ثقافة يتغذى عليها المجتمع وتتشكل بها القيم، ومن هنا انبثقت ضوابط الهيئة لتنير الطريق وترتقي بالمحتوى لتساعد في تأسيس جيل سويّ العقل والسلوك. لا شك في أن هذا الوطن المبارك يسير بثبات نحو إعلام مسؤول يوازن بين حرية التعبير وحماية المجتمع، مما يؤسس لبيئة إعلامية يكون فيها المشاهير قدوة حسنة، وتكون المنصات الرقمية جسورا للمعرفة وغرسا للقيم والمبادئ التي تليق بمجتمع همته كجبل طويق.