لكل بناء متين أركانًا يستند إليها تعززه وتحفظ له بقاءه، شاهداً في يومه الوطني (عزنا بطبعنا -95)، ليقف في جهته الأخرى، الإخلال به ليُعرض كامل البناء للسقوط والانهيار مهما كانت قوة الأركان الباقية، ومثلها الهوية الوطنية لمواطني أي دولة، كونها الرباط الوثيق الذي يجمعهم حول هدف أوحد يكون هو الحصن الذي نلوذ إليه ونأمن جانبه من أجل تحقيق مقومات أمنها الوطني، وحمايته من التهديدات والمخاطر الداخلية والخارجية. فالهوية تشير إلى التميز؛ أي إلى ميزات الفرد أو المجتمع عن غيره، وهي بنفس الوقت تشير إلى الجوامع المشتركة، التي ارتكزت عليها المملكة، منذ نشأتها وهي تبرز هذه الهوية، وتتكيف مع متطلبات العصر الحديث من خلال رؤية 2030، التي أبرزت الأهمية الوطنية والشخصية السعودية. هذه النظرة سلطت الضوء على «المعادن جميعا» في الشخصية السعودية، التي أشعلت طاقات أبنائها وأرسلتهم كالجبال الشامخة، كما شبههم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – بجبل طويق، مما حول المملكة إلى قوة محورية على الساحة الدولية، وعلى رأس العالم الإسلامي والعربي، ووصل التعاون مع مجلس الخليج، بل وقيادة العالم كلهُ (G20) وفي أحلك الظروف وبين تجسيدين العالميين. هذه المكانة تستحق ويستحقها، بعد الفخر والاعتزاز كل مواطن سعودي ومحب للمملكة، وكان هدفًا لخادم الحرمين -أيده الله-: «هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجًا ناجحًا ورائدًا في العالم على كافة الأصعدة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك». نؤمن برؤية 2030، وركيزتها (الإنسان – المحور الوطني)، وهو ما تجلى بشكل واضح في منجزات دولية أبهرت بل وهناك من لا يُصدق أنها للسعودية، فخلال الفترة من 23 سبتمبر 2024 حتى 23 سبتمبر 2025، حققت المملكة العربية السعودية إنجازات بارزة في مختلف المجالات، في ظل التحولات الاقتصادية المتسارعة على خارطة التنافسية العالمية، مدفوعة برؤية استراتيجية طموحة، وإصلاحات هيكلية شاملة، واستثمارات نوعية في الإنسان والبنية التحتية. ويأتي تقرير التنافسية العالمية لعام 2025 الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD)، مما يعكس قوة الأداء الاقتصادي، وفعالية السياسات الحكومية، وتطور البنية التحتية. فقد احتلت المملكة المرتبة السابعة عشرة عالميًا من بين 69 دولة، والرابعة بين دول مجموعة العشرين، حيث كان تقييم المملكة عبر أربعة محاور رئيسية، شملت الأداء الاقتصادي، والكفاءة الحكومية، وكفاءة الأعمال، والبنية التحتية. بل وشملت المؤشرات الفرعية التي ساهمت في هذا التصنيف الدولي المتقدم: جودة البنية التحتية الرقمية، كفاءة سوق العمل، القدرة على جذب الكفاءات، الاستدامة البيئية، التحول الرقمي الحكومي، والمرونة الاقتصادية. إن هذا التقدم اللافت في مؤشرات التنافسية الدولية لا يُعد مجرد إنجاز رقمي، بل هو انعكاس حقيقي لنجاح السياسات التنموية، وفاعلية الإصلاحات الاقتصادية، وحرص المملكة على بناء نموذج تنموي متوازن يجمع بين الكفاءة والعدالة والاستدامة. ومع استمرار المملكة في تنفيذ مستهدفات رؤية 2030، فإن الآفاق المستقبلية تَعِد بمزيد من التقدم، وتعزيز الحضور السعودي في المؤشرات العالمية، بما يرسخ مكانتها كقوة اقتصادية مؤثرة وبيئة جاذبة للاستثمار والابتكار. ففي العلاقات الدولية والدبلوماسية، حصلت المملكة على مقعد دائم في المجلس الأوروبي كأول دولة عربية، واستضافت قمة مجموعة العشرين في الرياض، عززت دورها في قضايا المناخ والتنمية، بمشروع الشرق الأوسط الأخضر، بل وتقديم مساعدات إنسانية ضخمة للدول المتضررة من الكوارث والصراعات، كاليمن وفلسطين وغيرها من دول أوروبا. لتُعزز ريادتها الدبلوماسية من خلال استضافة القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية في الرياض، وقمة مجلس التعاون الخليجي مع رابطة الآسيان. كما شارك في بعض مجلس الاتحاد الدولي للاتصالات، مما يدل على أنها تسهم في المنظمات الدولية وأسهمت في حل الصراعات الدولية. تنمويًا: نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4.6% خلال 2025، بإجمالي إيرادات حكومية 1.184 مليار ريال، مقابل نفقات ب 1.285 مليار ريال، بعجز قدره 2.3% من الناتج المحلي. بينما حقق برنامج التخصيص عوائد ب9.25 مليارات ريال من بيع الأصول والشراكات. أما الأصول المدارة فقد بلغت 22.7% من الناتج المحلي، بينما وصلت القيمة السوقية للأسهم إلى 83.9% من الناتج المحلي. وبإطلاق مشاريع ضخمة مثل: The Line في نيوم، الذي يمثل نقلة نوعية في التخطيط الحضري. وتوسعة مدينة نيوم كمركز عالمي للابتكار والتكنولوجيا.. وفر برنامج التحول الوطني وفورات رقمية ب 9.6 مليارات ريال، ونمو المنظمات غير الربحية بنسبة 202.8%. وفي الإسكان وجودة الحياة، ارتفعت نسبة تملك المساكن إلى 63% بنهاية 2024. بتوقيع أكثر من 56 ألف عقد سكني في النصف الأول من 2025. وتوثيق 8 مواقع تراثية سعودية في قائمة اليونيسكو. وتوفير 659 موقعًا ترفيهيًا جديدًا في أنحاء المملكة. أما في الطاقة والتقنية، فبرزت عالميًا في مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، وتطوير الصناعات الوطنية المرتبطة بالبترول والغاز، مع التركيز على مصادر الطاقة المتجددة، واستثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي، جعلت المملكة وجهة عالمية للابتكار. لتأتي الثقافة والرياضة على القائمة بتنظيم فعاليات عالمية مثل: بطولة كأس آسيا لكرة القدم، ومهرجانات مثل موسم الرياض وموسم جدة، التي جذبت ملايين الزوار، عاملة المملكة على دعم الفنون والموسيقى والتراث، وتحويل المملكة إلى منصة ثقافية عالمية. وأخيرًا الصحة والرعاية الإنسانية جاءت بتغطية شاملة لأكثر من 98% من الأطفال، وخفض معدل الوفيات بينهم إلى 6 لكل 1000 ولادة، مما يحسن ترتيب المملكة إلى المركز 30 في مؤشر الصحة العالمي للصحة العالمية (WHO)، وشاركت اللجنة الدولية للصليب الأحمر كشريك رئيسي. وانخفض تحمل الأمراض المزمنة إلى نسبة السكر في الدم بنسبة 10%. هذه الإنجازات ليست مجرد أرقام، بل دليل شامل يتضمن إنتاج مكانة المملكة في الساحة الدولية. يبقى السؤال: ما الإنجازات القادمة في رؤية الذكاء الاصطناعي 2030؟. فتحية إكبار لشعب المملكة العربية السعودية ولخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، وشعبنا السعودي ومرابطينا على الحدود وشهدائنا وذويهم وكل الوطن غائب عنا أو معنا بخير.