عن أي شهرة نتحدث؟ في زمننا هذا، لم تعد الشهرة حكرًا على من يمتلكون موهبة فريدة أو بذلوا جهدًا مضنيًا في سبيل العلم والأدب. بل أصبحت ظاهرة غريبة أشبه ما تكون ب"فقاعة" سريعة الزوال، يصنعها من يُطلق عليهم "مشاهير التفاهة". غالبًا ما تكون هذه الشهرة وليدة فراغ صاخب أو مشهد عابر على منصة افتراضية، يجمع حوله الملايين، لكنه في النهاية مشهد زائف لا قيمة له. الشهرة في الماضي: ثمرة جهد ونبوغ عندما نعود بالزمن إلى الوراء، نجد أن معايير الشهرة كانت مختلفة تمامًا. لم يكن الناس يرفعون أحدًا فوق الأعناق إلا بعد أن يثبت جدارته في ميادين حقيقية مثل العلم أو الجهاد أو الحكمة. كان الشاعر يحرق فؤاده على القوافي لكي يُخلّد بيتًا واحدًا في ديوان العرب، والعالم يسهر الليالي ويقضي عمره بين الدفاتر والكتب حتى يشهد له الزمان بالنبوغ، ويُكتب اسمه في سجل الخالدين. كانت الشهرة تُكتسب بالجهد والعرق، لا بالظهور العابر. الزمن الحاضر: صعود "المحتوى التافه" أما اليوم، فقد أصبح ما يُسمّى "المحتوى" - حتى وإن كان تافهًا - هو السلم السهل للصعود إلى الشهرة. يكفي أن تُثير ضحكة، أو حركة، أو صرخة لتنال تصفيق الملايين، حتى لو كنت خاويَ الرأس والفؤاد. وياله من ضياع للوقت والجهد، فمعظم ما ينشره هؤلاء المشاهير هو "غثاء كغثاء السيل"؛ مجرد نكات وضحكات واستهتار ولمز وغمز واستعراض للأجساد، وعرْي وتفسخ. إن خطورة انتشار "مشاهير التفاهة" لا تكمن في وجودهم فقط، بل في تأثيرهم السلبي العميق على عقول الشباب. فالكلمات التي تخرج منهم، وإن بدت بسيطة أو تافهة، هي في الحقيقة سهم ينفذ إلى عقول الناشئة ويشكل وعيهم وقيمهم. ماذا يزرعون في أرواحنا؟ لقد نجح هؤلاء المشاهير في غرس حب السخف والعبث والميوعة في أرواح الشباب. وأصبح هاجسهم الأكبر هو البحث عن "الترند" كما يفتش العطشان عن الماء. ولكن، عندما يصلون إليه، لا يجدون سوى سراب بقيعة؛ شهرة فارغة بلا قيمة، واهتمام لحظي لا يترك أي أثر إيجابي. ما أخشاه هو أن تتحول هذه الأجيال إلى نسخ مكررة من هؤلاء المشاهير، تهتم بالمظاهر الفارغة وتنسى الإنجازات الحقيقية. عندما يصبح "الترند" هو بوصلة الشباب، فإننا نخسر مستقبلًا قائمًا على الجدية والإبداع، ونجني جيلًا يطارد السراب. إن هذا التحول في معايير الشهرة يثير تساؤلات جدية حول القيم التي نتبناها والمحتوى الذي نستهلكه. فهل تستحق هذه الشهرة الزائفة كل هذا الوقت والاهتمام؟ وهل سنظل نُصفّق لكل ما هو تافه، حتى نغرق في بحر من الفراغ؟