اكتسب سوق الثلاثاء الأسبوعي بأبها شهرة واسعة، وكتب المؤرخون عن نشاطاته الاقتصادية الكبيرة، وتفرد موقعه، ومشاهده المتنوعة من التعاملات واللقاءات، وما كان يمثله آنذاك من منصة إعلامية لها أهميتها الاجتماعية. وتميز السوق في الثمانينيات الهجرية وما قبلها بجمال تصميم دكاكينه، التي طوقت بانتظام ساحة السوق الواسعة من جهات الشرق والشمال والغرب، وأجزاء من الجهة الجنوبية، وتمت مراعاة توزيع أماكن البيع وتصنيف «البسطات»، خاصة يوم الثلاثاء، مما أدى إلى عدم الزحام، وانسياب حركة المتسوقين، ووصولهم بكل يسر إلى نقاط البيع المؤقتة والثابتة، وبقي مكان الحراج محتفظا بموقعه ونشاطه. هذا السوق كانت تشرق فيه الابتسامات، وتخيم بين جنباته شيم الصدق والأمانة والقناعة، وبقى وما زال بوابة الرزق -بفضل الله- لأصحاب المهن والأُسر المُنتجة. ومع اقتراب الانتهاء من عمل إعادة تصميمه وبنائه بما يتناسب وتراث مدينة أبها وتاريخها، فإني أتطلع بعظيم الأمل إلى أمانة منطقة عسير أن تأخذ بعين الاعتبار الاهتمام ب«هوية السوق»، المتمثلة في حصر مهنة البيع على المواطنين والمواطنات، وعدم تمكين غيرهم من المقيمين والمقيمات، مهما كانت الأسباب والمبررات، وأيضا عدم السماح بوجود بضائع خارجية مستوردة، وإتاحة الفرصة لأصحاب المهن التراثية المتنوعة لعرض وبيع منتجاتهم وتشجيعهم، بمعنى أن يكون بالفعل سوقا شعبيا نقيا من أي مستورد ومقلد. وأصبح اليوم من الأهمية وجود بوابة دائمة للمراقبة الصحية والتجارية، يمر من خلالها كل ما يدخل السوق مع تطبيق الاشتراطات المطلوبة. وأطرح اقتراحًا بتكوين لجنة تطوعية من أهالي مدينة أبها، مهمتها المتابعة، وتزويد الجهات المسؤولة بأفكار بناءة، واستقبال ملاحظات الباعة والمتسوقين، وتنظيم واستضافة مشاركات رمزية كل صيف عام لسوق شعبي من مناطق المملكة، بهدف الإطلاع على الصناعات اليدوية التراثية والأكلات الشعبية. وحتى يكتمل للسوق وهجه وحضوره، لا بد من إعادة إحياء ملمح تراثي مهم، وهو «الحراج» الذي كان يُقام بعد صلاة عصر يوم الجمعة، وتُعرض وتُباع فيه نوادر الأشياء، والسلع القديمة ذات القيمة التراثية، وليس بيع الرجيع من الأثاث وغيره. ويمكن تخصيص يوم من كل شهر لأصحاب المهن والحرف على مستوى محافظات منطقة عسير، وهناك كثير من الأفكار التي يمكن أن تجعل من سوق الثلاثاء وجهة اقتصادية سياحية لها طابعها الخاص. والجميع يتفق على أن نظافة الساحات المحيطة بالسوق كفيلة بنقل الصورة الجميلة للزوار، ولا بد من الاهتمام بمواقف السيارات، وعدم السماح للعمالة السائبة بتحويلها إلى مغاسل يدوية لسيارات المتسوقين، واستهلاك مياه الحدائق المجاورة ودورات المياه العامة، التي قد تؤدي إلى حالة من التشوه البصري.