دار حديث مع أكاديميين خلال إقامتي في بريطانيا عن الدعم الحكومي للتعليم، وكان أحدهم يتفاخر ببرامج تمويل طلابهم ومنحهم الدراسية، فقلت بهدوء: إن التعليم الجامعي لدينا مجاني بالكامل، والطالب لا يدفع شيئًا، بل يتلقى مكافأة شهرية تعينه على التفرغ لدراسته، بل إن طلاب الدراسات العليا يدرسون مجانًا أيضًا، ويحصل غير الموظفين منهم على مكافآت تشجّعهم على مواصلة البحث العلمي. ثم عرضت عليهم صورًا ومقاطع من جامعتي – جامعة الملك خالد – بمبانيها التي تمتد على أكثر من ثمانية ملايين متر مربع، فارتسمت على وجوههم علامات الدهشة والإعجاب. وأوضحت لهم أن هذه الجامعة – على ضخامتها – ليست الأكبر في المملكة، وأن في بلادنا ما هو أوسع وأفخم منها، وما نسيت أن أذكره لهم أن لدينا أكبر جامعة للبنات في العالم، جامعة الأميرة نورة في عاصمتنا الحبيبة، وكنتُ لأدهشهم لو قلت لهم إن فيها قطارًا داخليًا يربط كلياتها ومرافقها. وهنا بدأ شعوري يتعمق بما نعيشه من نعمة حكومية ودعم لا يُضاهى، وتذكّرت أن من يعيش في النعيم قد لا يدركه تمامًا إلا إذا رأى نقيضه أو عاش غيره. ولعلّ أبرز ما عمّق هذا الشعور ما ذكره لي سعادة عميد كلية التربية بجامعة الملك خالد عن زيارة وفد من المعهد السنغافوري لإعداد المعلمين ضمن شراكة لإعداد المعلم، إذ أبدى الوفد اندهاشه الشديد من المباني وضخامتها وجمالها، وكانت جولتهم في الكلية تصاحبها كاميراتهم للتوثيق وتعليقات الإعجاب والانبهار بما شاهدوه من قاعات وتجهيزات حديثة، وهم قادمون من سنغافورة، الدولة المعروفة بنهضتها العمرانية وتخطيطها المتقن. هذه المشاهد تجعلني ازداد يقينًا بأننا نعيش تجربة استثنائية في الاستثمار بالتعليم، فقد رُصد لهذا القطاع منذ عام 2020 وحتى ميزانية 2025 ما بين 185 و201 مليار ريال سنويًا، أي ما يعادل نحو 4 إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي، لتبقى المملكة ضمن الدول الأعلى عالميًا في الإنفاق على التعليم. وتشير بيانات معهد يونسكو للإحصاء (UIS) إلى أن نسبة الإنفاق السعودي تفوق المتوسط العالمي، البالغ نحو 4.4%. كما تتميز المملكة بنسبة منخفضة لعدد الطلاب لكل معلم في المرحلة الابتدائية، إذ لا تتجاوز 14 طالبًا، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ قرابة 24 طالبًا لكل معلم (وفق أحدث سنة متاحة). ولا يكتمل الحديث عن حجم الاستثمار دون النظر إلى الأرقام المحلية، حيث بلغ عدد طلاب التعليم العام أكثر من 6.7 ملايين طالب وطالبة، يقوم على تعليمهم أكثر من 513 ألف معلم ومعلمة في ما يقارب 36.700 مدرسة منتشرة في مختلف أنحاء المملكة. كما انتشرت الكليات والجامعات في معظم المحافظات على امتداد بلادنا المترامية الأطراف، التي تزيد مساحتها على مليوني كيلومتر مربع، بما يفوق مساحة المملكة المتحدة أضعافا عدة. وإن كانت لدى بريطانيا جامعات تجاوز عمرها مئات السنين، فإننا – بفضل دعم دولتنا – قد شُيّدت لدينا مدن جامعية متكاملة في فترة زمنية وجيزة، وباتت مفخرة عمرانية وتجهيزية. ولم يقتصر الدعم على المواطنين، بل شمل طلابًا من عشرات الدول حول العالم، إذ تستقطب الجامعات السعودية هؤلاء الطلاب، وتوفر لهم الدراسة المجانية والمكافآت الشهرية والسكن الجامعي، بل وتذاكر السفر من بلدانهم إلى المملكة، وبرامج تهيئة خاصة تسهّل اندماجهم، وهي سياسة تعكس إيمان الدولة بأن التعليم سبيل لارتقاء الأمم وتقارب الشعوب. كما واصلت الدولة برامج الابتعاث الخارجي، ففتحت أبواب الجامعات العالمية أمام عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات في تخصصات متعددة، وهي لا ترضى لهم إلا أرقى الجامعات مهما بلغت التكاليف، فتدفع عنهم الرسوم الدراسية كاملة، وتمنحهم مكافآت شهرية تتيح لهم التفرغ للدراسة والبحث، ليعودوا بعد ذلك بناةً ومشاركين في تنمية هذا الوطن. وحين قارنت ما لدينا بما رأيته في الخارج، من مدارس متواضعة ومبانٍ جامعية صغيرة وفرص محدودة، شعرت بأن علينا جميعًا أن نكون على قدر هذه النعمة، وأن نجعل مخرجات تعليمنا تليق بهذا الدعم الحكومي السخي. أ. د. محمد حسن سعيد آل سفران بروفيسور بقسم التعليم والتعلم – جامعة الملك خالد