لم يعد اختيار المدارس لأبناء العائلات مسألة عادية، بل تحوّل في السنوات الأخيرة إلى سباق بين الأمهات، خاصة تجاه المدارس الخاصة؛ لما تروج له من مناهج متقدمة، وبيئات تعليمية حديثة، ونشاطات تصقل شخصية الطفل وتمنحه ثقة أكبر. في المقابل تقدم المدارس الحكومية مميزات وكوادر تعليمية متقدمة، ومناهج متطورة، وأنشطة طلابية مختلفة، إلى جانب دعم الدولة المستمر للتعليم بالمجان. تقول «أم روان» إن تسجيل ابنتها في مدرسة خاصة كان خيارًا لا بد منه رغم ارتفاع الرسوم، موضحة: «أردت أن أحصل لابنتي على تعليم مختلف يفتح أمامها فرص المستقبل، حتى لو اضطر زوجي لتحمل أقساط تثقل كاهله». أكدت فاطمة الزهراني أن هذا السباق بين الأمهات جعل الكثير من الأزواج في موقف «الممول الإجباري»، إذ يضطرون لتسديد الرسوم التي تتجاوز أحيانًا عشرات الآلاف من الريالات سنويًا. وترى أن الأمر بات أشبه بمنافسة اجتماعية أكثر من كونه ضرورة تعليمية، حيث تسعى بعض الأمهات لإبراز مكانة الأسرة من خلال المدرسة التي يدرس فيها أبناؤهن. كما أكدت صفية الغامدي أنها حرصت على إدخال أبنائها الثلاثة مدارس خاصة، وذلك بسبب أن صديقاتها دائمًا يذكرن ويتفاخرن بأن أبناءهن في تلك المدارس. موضحة أن هذه الظاهرة مرتبطة بالمكانة والوجاهة أكثر من ارتباطها بجودة التعليم فقط، فاختيار المدرسة أصبح في بعض الأوساط وسيلة للتفاخر الاجتماعي، حيث يربط البعض بين نوع المدرسة ومستوى الأسرة. الأزواج الضحايا يرى منصور العوفي أن تسجيل الأبناء في المدارس الخاصة تحول من خيار تعليمي إلى عبء مالي ثقيل، قائلاً: «أدفع ما يقارب 45 ألف ريال سنويًا عن أبنائي، بينما كان بالإمكان إدخالهم مدارس أهلية جيدة بجزء من هذا المبلغ». مشيرًا إلى أنه يشعر أحيانًا أن الأمر أصبح مجرد منافسة اجتماعية أكثر من كونه حاجة تعليمية. ويضيف أبو فيصل أن التعليم مهم، لكن عندما يتحول إلى مصدر ضغط مالي يصل إلى الاقتراض أو الاستقطاع من ضروريات الحياة، يصبح الموضوع مزعجًا. بعض الأمهات لا يضعن في الاعتبار أن الآباء هم من يتحملون فواتير تلك المدارس وقد تشكل عبئًا كبيرًا على الأسرة. في المقابل، يشير أبو حمزة -مبررًا تلك التكاليف- إلى أن الرسوم مرهقة لكنها استثمار طويل الأمد. وتعليم أبنائه في تلك المدارس يجعله يشعر بالراحة لأنهم في بيئة مختلفة ومجهزة للمستقبل، معتبرًا أن التضحية المادية اليوم ستعود بفوائد على الأبناء غدًا. تكاليف وإرهاق ترى الباحثة الاجتماعية دلال عبد الرحمن أن ظاهرة تنافس السيدات على إدخال أبنائهن للمدارس الخاصة أصبحت من الظواهر الاجتماعية التي بدأت تترسخ، وهذه الظاهرة ترتبط بعامل «المكانة»، حيث تعكس المدرسة صورة العائلة ومركزها الاجتماعي. غير أن الضغوط المالية على الأزواج قد تنعكس سلبًا على الاستقرار الأسري، خاصة في ظل التزامات معيشية متزايدة. وفي المقابل، تدافع سيدات عن تلك المدارس، مؤكدات أن الاستثمار الحقيقي هو في الأبناء، وأن التعليم النوعي يختصر عليهن سنوات من القلق حول مستقبل أطفالهن. وبين هذه الرؤى المتباينة، يبقى السؤال: هل حقًا أصبحت المدارس الخاصة وسيلة لتفاخر اجتماعي أم أنها استثمار مشروع في جيل المستقبل؟ إذ إن هذه الظاهرة قد تولّد فجوة بين رغبات الأمهات وقدرة الأزواج المالية، ما يسبب توترًا في العلاقة الزوجية ويؤدي أحيانًا إلى خلافات أسرية. وأضافت الباحثة أن المشكلة ليست في المدارس الخاصة بحد ذاتها، بل في الدافع وراء اختيارها. فإذا كان الهدف التفاخر الاجتماعي، فالخسارة مضاعفة؛ أما إذا كان الهدف الاستثمار في الأبناء وفق إمكانات الأسرة، فهو أمر محمود. كما شددت على أهمية التوازن بين الطموح والقدرة، وعدم تحميل الأسرة التزامات تفوق طاقتها، مع تعزيز الوعي بأن التعليم الجيد لا يرتبط فقط بارتفاع الرسوم، بل بالمتابعة الأسرية والمشاركة الفاعلة في تنمية شخصية الطفل. مميزات الحكومية أكد عدد من المستشارين في مجال التعليم أن المدارس الحكومية لديها مميزات رغم الاندفاع الكبير نحو المدارس الخاصة، إذ تحتفظ بعدد من المميزات التي تجعلها خيارًا مهمًا لشريحة واسعة من الأسر. • التعليم بالمجان: تتحمل الدولة كامل تكاليف التعليم من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية، ما يخفف الأعباء المالية على الأسر. •كوادر وطنية: يضم التعليم الحكومي نخبة من المعلمين والمعلمات المؤهلين، الذين يدركون احتياجات المجتمع المحلي وقيمه. • مناهج موحدة: معتمدة من وزارة التعليم، تسعى إلى بناء الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء الديني والثقافي. • انتشار المدارس: تتوفر المدارس الحكومية في كل الأحياء تقريبًا، ما يسهل الوصول إليها دون الحاجة إلى مواصلات مكلفة. •أنشطة متنوعة: تقدم أنشطة اجتماعية ورياضية وثقافية، تسهم في صقل شخصية الطالب. •دعم مستمر: تعمل وزارة التعليم على تطوير المناهج، وإدخال التقنيات الحديثة، وتحسين البيئة المدرسية بشكل مستمر. ولذلك فإن هذه المميزات تجعل المدارس الحكومية خيارًا قويًا إذا ما توافرت متابعة أسرية واهتمام من أولياء الأمور، مع الإشارة إلى أن نجاح الطالب لا يتوقف فقط على اسم المدرسة، بل على بيئة الدعم داخل المنزل وخارجه. المدارس الحكومية خيار متطور