تشهد العلاقات اللبنانية السورية تحولاً لافتًا نحو مسار جديد من التنسيق السياسي والأمني، في ظل جهود إقليمية تقودها السعودية لإعادة بناء قنوات التعاون بين البلدين، بعد سنوات من الفتور والتوتر. ففي تطور بارز، أعلنت دمشق عن التوصل إلى اتفاق مع الحكومة اللبنانية يقضي بتسليم السجناء السوريين الموقوفين في لبنان، باستثناء المتهمين بجرائم دم، بحسب ما كشفه مدير إدارة الشؤون العربية في وزارة الخارجية السورية محمد طه الأحمد. وأوضح أن الاتفاق جاء ثمرة اجتماعات مكثفة عقدت في بيروت، مؤكدًا أن الجانب اللبناني أبدى"استجابة إيجابية جدًا" لمطالب دمشق المتعلقة بملف المعتقلين. وأضاف الأحمد أن العديد من الموقوفين السوريين يواجهون تهمًا ملفقة، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار"طي صفحة الماضي وتعزيز الثقة المتبادلة بين البلدين". وكان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قد وصف زيارته إلى بيروت بأنها"إيجابية وبداية مرحلة جديدة"، مؤكدًا أن بلاده تسعى إلى تطوير علاقات متوازنة مع لبنان على أساس الاحترام المتبادل والسيادة الوطنية. ووفق مصادر قضائية لبنانية، يبلغ عدد السجناء السوريين في لبنان نحو 2250 شخصًا، أي ما يقارب ثلث إجمالي السجناء، بينهم نحو 700 يستوفون شروط التسليم، إلا أن تنفيذ ذلك كان يتطلب اتفاقية ثنائية جديدة، وهو ما تحقق مؤخرًا. وفي موازاة هذا التطور السياسي، أكد وزير الداخلية والبلديات اللبناني العميد أحمد الحجار أن السعودية ترعى تنسيقًا أمنيًا مشتركًا بين بيروتودمشق، لافتًا إلى أن التعاون الثلاثي يهدف إلى مكافحة شبكات تهريب المخدرات وتعزيز الاستقرار الإقليمي. وأوضح الحجار وفقاً ل"العربية" أن عمليات ضبط نوعية نُفذت بالتنسيق المباشر مع وزارة الداخلية السعودية، أسفرت عن مصادرة شحنات ضخمة من حبوب الكبتاغون والكوكايين والحشيش بلغت قيمتها نحو 15 مليون دولار، مشددًا على أن بلاده"تتعامل مع هذه الآفة بلا تهاون ولا استثناءات طائفية أو سياسية". وأشار الوزير اللبناني إلى أن السعودية لعبت دوراً محورياً في تسهيل التنسيق الأمني بين لبنان وسوريا، من خلال استضافة اجتماعات مشتركة للأجهزة المختصة، وهو ما انعكس إيجابًا على ضبط الحدود ومكافحة التهريب. كما أكد الحجار أن الأجهزة الأمنية اللبنانية تمتلك قدرات بشرية متقدمة رغم ضعف الإمكانات التقنية، مشيدًا بالتعاون المستمر مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية في السعودية، إلى جانب شراكات تدريبية مع الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا. ويرى مراقبون أن هذا التقارب الثلاثي بين بيروتودمشق والرياض يمثل تحولاً نوعياً في المشهد الإقليمي، ويمهّد لإعادة رسم العلاقات اللبنانية السورية ضمن إطار أكثر مؤسسية، وبضمانة عربية تقودها المملكة، بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار ومكافحة الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات عبر الحدود.