قبل البدء في الغوص وتناول هذا الموضوع نريد أن نتعرف على المفهوم البسيط للاستثمار، حيث يعرفه فقهاء الاستثمار بأنه عملية توظيف رأس المال وذلك لهدف تحقيق عائد مالي، وهو بحسب تصنيفهم لهذا الحقل فإنه يشتمل على عدة أنواع مختلفة من الأصول مثل: الأسهم، العقار، الصكوك، أو حتى الاستثمار في مشاريع جديدة. ولتبسيط السياق الأعلى فإنه يمكن القول بأن مفهوم الاستثمار هو أن تنفق باليمين كتكاليف إنشائية للمشروع الاستثماري لكي تأخذ باليسار أكبر مما تم إنفاقه مع ضمان استمرار هذه التدفقات لمديات زمنية طويلة. وبالمقارنة مع ما يقوم به القطاع البلدي من عمليات ومهام يُعتقد أن ذلك عملا أو نشاطًا استثماريا ليس صحيحًا. يجب أن يدرك العاملون بالقطاع البلدي بأن هناك بونًا شاسعًا بين عمليات الاستثمار الحقيقي وبين ما يؤدونه أو ينفذونه من إجراءات تتعلق بإدارة الإمكانات الاقتصادية التي يمتلكها. مفهوم الاستثمار الحكومي على وجه التحديد وهو ما يهمنا في هذا المقال، هو عبارة عن " منظومة تتكامل فيما بينها لتحقيق قائمة من الأهداف" سواء كانت على مستوى الوحدات الاقتصادية من حيث تحقيق الأرباح والنمو ونحوه، أو على مستوى الأهداف الوطنية التي تتمثل في خلق المزيد من فرص العمل والمساهمة بشكل مباشر في الناتج المحلي الإجمالي. بشكل أشمل فإن الاستثمار هو عبارة عن البيئة التي تنمو وتتطور فيها التشريعات التنظيمية والمحفزات الاستثمارية، الاستثمار أيضًا هو نماذج العمل المتعددة التي تمنح المزيد من الخيارات أمام المستثمر. الاستثمار هو الاندماج، الاستحواذ، المشاركة. الاستثمار هو عملية جذب رأس المال الأجنبي جنبا إلى جنب مع رأس المال الوطني للاستثمار في جميع القطاعات الوطنية. الاستثمار هو التوسع في عدد الوحدات الاقتصادية التي ستسهم في تعزيز دور البيئة الاستثمارية وتخلق المزيد من فرص العمل. وعليه فإن الاستمرار بإدارة الإمكانات الاقتصادية الضخمة التي يكتنزها القطاع البلدي وبذات الكيفية المطبقة منذ عقود طويلة سيسهم ذلك في فقدان الكثير من الفرص العظيمة والتي ستكون خسارة كبيرة على الاقتصاد الوطني. سنجمل للقارئ الكريم أهم تلك الفرص المهدرة في النقاط التالية: • عدم إدراك أهمية الإمكانات الاقتصادية الهائلة التي يمتلكها القطاع البلدي والتي يمكن أن تولد فرص استثمارية ذهبية متى ما تم استغلالها على نحو سليم. • عدم التقدم في خطوة حقيقية نحو صناعة بيئة استثمارية حقيقية على اديم الوطن وخاصة في تلك المناطق التي تُعدُ اقتصاديا ليست ضمن المناطق الاقتصادية الأربع الرئيسية وما لذلك من أهمية قصوى في الاقتصاد الوطني. • فقدان المزيد من الفرص العظيمة وذلك لعدم إنشاء المزيد من الوحدات الاقتصادية لإدارة تلك الإمكانات الاقتصادية الكبيرة على امتداد جغرافية الوطن وخلق المزيد من فرص العمل. • عدم تحرر القطاع البلدي نحو التركيز في أداء مهمته أو وظيفته الأساسية والتي تتمحور حول إدارة المدن من حيث توفير الخدمات البلدية وإدارة عمليات إنشاء البنية التحتية، وكذلك الإشراف على الخطة العمرانية الوطنية، وإعفاءه من الإشراف على إدارة هذه المهمة الاستثمارية المعقدة. إضافة إلى فقدان تلك الفرص وسواها والتي لا يتسع المجال لذكرها فإن الحكومة سوف تواجه المزيد من عمليات الإنفاق الحكومي الموجه لهذا القطاع عطفا على نمو في حجم المدن السعودية بشكل متسارع، فإذا ما أخذنا مقارنة بسيطة للإنفاق الحكومي الموجه الى القطاع البلدي خلال عشر سنوات حيث سجلت موازنة عام 2014 حسب بيانات وزارة المالية 34600 مليون وكانت تقديرات موازنة عام 2024 حسب ذات المصدر 115000 مليون بارتفاع تجاوز 232%. وعليه فإن حجم الإمكانات الاقتصادية التي بحوزة القطاع البلدي وتعدد مجالاتها وفي ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات فقد وصلت تلك الإمكانات إلى مستوى من الضخامة والتعقيد من حيث الإدارة والتنظيم والذي يتجاوز إمكانات القطاع البلدي التنظيمية، هذا من جانب، ومن جانب آخر يقع الاستحقاق الوطني والمتمثل في جوهره بإعفاء القطاع العام من إدارة أي مرفق له جانب استثماري كان بحوزته أو كان يشرف عليه قبل بزوغ نجم رؤية 2030 المجيدة ونقله وفق استحقاقات الخصخصة أو تحت أي مسار آخر في كيان مستقل يمتلك رؤية استثمارية حقيقية يستطيع من خلالها تحقيق الأهداف الوطنية الاستراتيجية الكبرى.