العالم تغيّر، والاهتمامات تحوّلت، وسلوكيات الناس تطوّرت، وموازين التأثير تبدّلت؛ وأصبحت تُقاس بمدى انتشار القصص التي تلامس القلوب قبل العقول. والدول التي أدركت هذه المعادلة هي التي نشرت ثقافتها وفنونها ورياضاتها في ميدان الإعلام، وفهمت أن الإعلام ليس ترفًا، بل أداة سيادية قادرة على صناعة الاقتصاد وبناء السمعة معًا. فلم تعد الكلمة مجرّد رأي، ولا الصورة مجرّد مشهد؛ فالإعلام اليوم هو "الطاقة الناعمة" التي تُحرّك الاتجاهات، وتبني المواقف، وتُعيد رسم خرائط النفوذ بلا سلاح ولا صخب. في عالمٍ يشاهد فيه أكثر من 1.4 مليار إنسان نهائي كأس العالم، ويتفاعل 5 مليارات شخص مع حدث رياضي أو ثقافي واحد، يصبح من العبث الحديث عن التأثير دون الحديث عن الإعلام، فصناعة الإعلام والترفيه عالميًا تجاوزت 3 تريليونات دولار في عام 2025، وتستعد لتلامس 3.5 تريليونات دولار في عام 2029، ما يجعلها أكبر من اقتصادات دول بأكملها. وفي مملكتنا الغالية، تتحوّل هذه الصناعة إلى رافعة وطنية، إذ يُتوقّع أن تتجاوز 12 مليار دولار بحلول عام 2030، بينما تجاوز عدد زوار موسم الرياض حاجز 16 مليون زائر، في مشهد يجمع بين القوة الاقتصادية والتأثير الثقافي والاجتماعي. الرياضة والفن والثقافة ليست فواصل ترفيهية في حياة الشعوب، بل أدوات نفوذ هادئ تمكّن الدول من إيصال رسائلها عبر المتعة، لا عبر الخطابات. فحين تجتمع صورة من مباراة، أو مشهد من فيلم، أو لحن من مهرجان، خلفها رؤية وطن يريد أن يقول للعالم شيئًا، فذلك هو الإعلام في أصدق صوره. الدول الذكية هي التي تمسك بخيوط الإعلام لتكتب روايتها بنفسها؛ تُحوّل المهرجانات إلى رسائل سياسية راقية، والملاعب إلى قاعات حوار مفتوح، والدراما إلى جسور من الفهم المشترك. تلك هي صناعة الجاذبية الوطنية: تُقنع لا تُجبر، وتُلهم لا تُرهِب، وتكسب القلوب قبل العقول. الإعلام لم يعد قطاعًا، بل استراتيجية دولة، وتسويق لها ولنفوذها، وعندما تتقاطع فيه الموهبة والإبداع الإعلامي مع الرؤية والتوجه، يصبح المحتوى رأس مال، والصورة تعكس السياسة، والانتشار هو بناء النفوذ.